الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } * { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } * { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

ثم ذكر سبحانه وتعالى نوعاً آخر مما امتنّ به على عباده من النعم، فقال { وَءايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } أي دلالة وعلامة، وقيل معنى { آية } هنا العبرة، وقيل النعمة، وقيل النذارة. وقد اختلف في معنى { أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ } وإلى من يرجع الضمير، لأن الضمير الأوّل، وهو قوله { وَءايَةٌ لَّهُمُ } لأهل مكة، أو لكفار العرب، أو للكفار على الإطلاق الكائنين في عصر محمد صلى الله عليه وسلم، فقيل الضمير يرجع إلى القرون الماضية، والمعنى أن الله حمل ذرّيّة القرون الماضية في الفلك المشحون، فالضميران مختلفان. وهذا حكاه النحاس عن عليّ بن سليمان الأخفش. وقيل الضميران لكفار مكة، ونحوهم. والمعنى أن الله حمل ذرّيّاتهم من أولادهم، وضعفائهم على الفلك، فامتنّ الله عليهم بذلك أي إنهم يحملونهم معهم في السفن إذا سافروا، أو يبعثون أولادهم للتجارة لهم فيها. وقيل الذرّيّة الآباء والأجداد، والفلك هو سفينة نوح، أي إن الله حمل آباء هؤلاء، وأجدادهم في سفينة نوح. قال الواحدي والذرّيّة تقع على الآباء كما تقع على الأولاد. قال أبو عثمان وسمي الآباء ذرية، لأن منهم ذرء الأبناء، وقيل الذرّية النطف الكائنة في بطون النساء، وشبه البطون بالفلك المشحون، والراجح القول الثاني، ثم الأوّل، ثم الثالث، وأما الرابع ففي غاية البعد، والنكارة. وقد تقدّم الكلام في الذرية، واشتقاقها في سورة البقرة مستوفي، والمشحون المملوء الموقر، والفلك يطلق على الواحد والجمع كما تقدّم في يونس، وارتفاع آية على أنها خبر مقدّم، والمبتدأ { أنا حملنا } ، أو العكس على ما قدّمنا. وقيل إن الضمير في قوله { وَءايَةٌ لَّهُمُ } يرجع إلى العباد المذكورين في قولهيٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } يسۤ 30 لأنه قال بعد ذلكوَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ } يسۤ 33، وقالوَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ } يسۤ 37. ثم قال { وَءايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ } ، فكأنه قال وآية للعباد أنا حملنا ذريات العباد، ولا يلزم أن يكون المراد بأحد الضميرين البعض منهم، وبالضمير الآخر البعض الآخر، وهذا قول حسن. { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } أي وخلقنا لهم مما يماثل الفلك ما يركبونه على أن ما هي الموصولة. قال مجاهد، وقتادة، وجماعة من أهل التفسير وهي الإبل خلقها لهم للركوب في البرّ مثل السفن المركوبة في البحر، والعرب تسمي الإبل سفائن البرّ، وقيل المعنى وخلقنا لهم سفناً أمثال تلك السفن يركبونها، قاله الحسن، والضحاك، وأبو مالك. قال النحاس وهذا أصحّ لأنه متصل الإسناد عن ابن عباس، وقيل هي السفن المتخذة بعد سفينة نوح { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ } هذا من تمام الآية التي امتنّ الله بها عليهم، ووجه الامتنان أنه لم يغرقهم في لجج البحار مع قدرته على ذلك، والضمير يرجع إما إلى أصحاب الذرية، أو إلى الذرية، أو إلى الجميع على اختلاف الأقوال، والصريخ بمعنى المصرخ، والمصرخ هو المغيث أي فلا مغيث لهم يغيثهم إن شئنا إغراقهم، وقيل هو المنعة.

السابقالتالي
2 3 4 5