الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } * { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ } * { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } * { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } * { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

لما وقع ما وقع منهم مع حبيب النجار غضب الله له، وعجل لهم النقمة، وأهلكهم بالصيحة، ومعنى { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ } أي على قوم حبيب النجار من بعد قتلهم له، أو من بعد رفع الله له إلى السماوات على الاختلاف السابق { مِن جُندٍ مّنَ ٱلسَّمَاء } لإهلاكهم، وللانتقام منهم أي لم تحتج إرسال جنود من السماء لإهلاكهم كما وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر من إرسال الملائكة لنصرته، وحرب أعدائه { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } أي وما صحّ في قضائنا، وحكمتنا أن ننزل لإهلاكهم جنداً لسبق قضائنا، وقدرنا بأن إهلاكهم بالصيحة لا بإنزال الجند. وقال قتادة، ومجاهد، والحسن أي ما أنزلنا عليهم من رسالة من السماء، ولا نبيّ بعد قتله. وروي عن الحسن أنه قال هم الملائكة النازلون بالوحي على الأنبياء، والظاهر أن معنى النظم القرآني تحقير شأنهم، وتصغير أمرهم أي ليسوا بأحقاء بأن ننزل لإهلاكهم جنداً من السماء، بل أهلكناهم بصيحة واحدة كما يفيده قوله { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } أي إن كانت العقوبة، أو النقمة، أو الأخذة إلاّ صيحة واحدة صاح بها جبريل، فأهلكهم. قال المفسرون أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة، ثم صاح بهم صيحة، فإذا هم ميتون لا يسمع لهم حسّ كالنار إذا طفئت، وهو معنى قوله { فَإِذَا هُمْ خَـٰمِدُونَ } أي قوم خامدون ميتون، شبههم بالنار إذا طفئت لأن الحياة كالنار الساطعة، والموت كخمودها. قرأ الجمهور { صيحة } بالنصب على أن كان ناقصة، واسمها ضمير يعود إلى ما يفهم من السياق كما قدّمنا. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، والأعرج، ومعاذ القارئ برفعها على أن كان تامة أي وقع، وحدث، وأنكر هذه القراءة أبو حاتم، وكثير من النحويين بسبب التأنيث في قوله { إِن كَانَتْ } قال أبو حاتم فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال " إن كان إلاّ صيحة " ، وقدّر الزجاج هذه القراءة بقوله إن كانت عليهم صيحة إلاّ صيحة واحدة، وقدّرها غيره ما وقعت عليهم إلاّ صيحة واحدة. وقرأ عبد الله بن مسعود «إن كانت إلاّ زقية واحدة»، والزقية الصيحة، قال النحاس وهذا مخالف للمصحف، وأيضاً. فإن اللغة المعروفة زقا يزقو إذا صاح. ومنه المثل «أثقل من الزواقي»، فكان يجب على هذا أن تكون زقوة، ويجاب عنه بما ذكره الجوهري قال الزقو والزقي مصدر، وقد زقا الصدا يزقو. زقا أي صاح وكل صائح زاق، والزقية الصيحة. { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } قرأ الجمهور بنصب { حسرة } ، على أنها منادى منكر، كأنه نادى الحسرة، وقال لها هذا أوانك فاحضري. وقيل إنها منصوبة على المصدرية، والمنادى محذوف، والتقدير يا هؤلاء تحسروا حسرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7