الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } * { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } * { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } * { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }

ثم ذكر سبحانه نوعاً من أنواع قدرته الباهرة، وخلقاً من مخلوقاته البديعة، فقال { أَلَمْ تَرَ } ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكلّ من يصلح له { أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء } وهذه الرؤية هي القلبية، أي ألم تعلم، وأن واسمها وخبرها سدّت مسدّ المفعولين { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } أي بالماء، والنكتة في هذا الالتفات إظهار كمال العناية بالفعل لما فيه من الصنع البديع، وانتصاب { مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } على الوصف لثمرات، والمراد بالألوان الأجناس، والأصناف، أي بعضها أبيض، وبعضها أحمر، وبعضها أصفر، وبعضها أخضر، وبعضها أسود { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ } الجدد جمع جدة، وهي الطريق. قال الأخفش ولو كان جمع جديد لقال جدد بضم الجيم والدال، نحو سرير وسرر. قال زهير
كأنه أسفع الخدين ذو جدد طاوٍ ويرتع بعد الصيف أحياناً   
وقيل الجدد القطع، مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته، حكاه ابن بحر. قال الجوهري الجدة الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه، والجدة الطريقة، والجمع جدد، وجدائد، ومن ذلك قول أبي ذؤيب
جون السراة له جدائد أربع   
قال المبرد جدد طرائق وخطوط. قال الواحدي ونحو هذا قال المفسرون في تفسير الجدد. وقال الفراء هي الطرق تكون في الجبال كالعروق بيض، وسود، وحمر، واحدها جدة. والمعنى أن الله سبحانه أخبر عن جدد الجبال، وهي طرائقها، أو الخطوط التي فيها بأن لون بعضها البياض، ولون بعضها الحمرة، وهو معنى قوله { بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهَا } قرأ الجمهور { جدد } بضم الجيم، وفتح الدال. وقرأ الزهري بضمهما جمع جديدة، وروي عنه أنه قرأ بفتحهما، وردّها أبو حاتم وصححها غيره، وقال الجدد الطريق الواضح البين { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } الغربيب الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب. قال الجوهري تقول هذا أسود غربيب، أي شديد السواد، وإذا قلت غرابيب سود جعلت السود بدلاً من غرابيب. قال الفراء في الكلام تقديم وتأخير تقديره وسود غرابيب، لأنه يقال أسود غربيب، وقلّ ما يقال غربيب أسود، وقوله { مُّخْتَلِف أَلْوَانُهَا } صفة لجدد، وقوله { وَغَرَابِيبُ } معطوف على جدد على معنى ومن الجبال جدد بيض، وحمر، ومن الجبال غرابيب على لون واحد، وهو السواد، أو على حمر على معنى، ومن الجبال جدد بيض، وحمر، وسود. وقيل معطوف على بيض، ولا بدّ من تقدير مضاف محذوف قبل جدد، أي ومن الجبال ذو جدد، لأن الجدد إنما هي في ألوان بعضها. { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابّ وَٱلأَنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهُ } قوله { مختلف } صفة لموصوف محذوف، أي ومنهم صنف، أو نوع، أو بعض مختلف ألوانه بالحمرة، والسواد، والبياض، والخضرة، والصفرة. قال الفراء، أي خلق مختلف ألوانه كاختلاف الثمرات، والجبال، وإنما ذكر سبحانه اختلاف الألوان في هذه الأشياء، لأن هذا الاختلاف من أعظم الأدلة على قدرة الله، وبديع صنعه، ومعنى { كَذٰلِكَ } أي مختلفاً مثل ذلك الاختلاف، وهو صفة لمصدر محذوف، والتقدير مختلف ألوانه اختلافاً كائناً كذلك، أي كاختلاف الجبال، والثمار.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9