الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } * { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

الفطر الشقّ عن الشيء، يقال فطرته فانفطر، ومنه فطر ناب البعير إذا طلع، فهو بعير فاطر، وتفطر الشيء تشقق، والفطر الابتداء والاختراع، وهو المراد هنا، والمعنى { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } مبدع { ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } ، ومخترعهما، والمقصود من هذا أن من قدر على ابتداء هذا الخلق العظيم، فهو قادر على الإعادة. قرأ الجمهور { فاطر } على صيغة اسم الفاعل، وقرأ الزهري، والضحاك فطر على صيغة الفعل الماضي، فعلى القراءة الأولى هو نعت لله لأن إضافته محضة لكونه بمعنى الماضي، وإن كانت غير محضة كان بدلاً، ومثله { جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً } يجوز فيه الوجهان، وانتصاب رسلاً بفعل مضمر على الوجه الأوّل، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل، وجوّز الكسائي عمله. وأما على الوجه الثاني، فهو منصوب بجاعل، والرسل من الملائكة هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل. وقرأ الحسن جاعل بالرفع، وقرأ خليل بن نشيط، ويحيـى بن يعمر جعل على صيغة الماضي. وقرأ الحسن، وحميد رسلاً بسكون السين، وهي لغة تميم { أُوْلِى أَجْنِحَةٍ } صفة لـ { رسلاً } ، والأجنحة جمع جناح { مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ } صفة لأجنحة، وقد تقدّم الكلام في مثنى، وثلاث، ورباع في النساء. قال قتادة بعضهم له جنحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة ينزلون بها من السماء إلى االأض، ويعرجون بها من الأرض إلى السماء. قال يحيـى بن سلام يرسلهم الله إلى الأنبياء. وقال السدّي إلى العباد بنعمه، أو نقمه، وجملة { يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَاء } مستأنفة مقرّرة لما قبلها من تفاوت أحوال الملائكة، والمعنى أنه يزيد في خلق الملائكة ما يشاء، وهو قول أكثر المفسرين، واختاره الفراء، والزجاج. وقيل إن هذه الزيادة في الخلق غير خاصة بالملائكة، فقال الزهري، وابن جريج إنها حسن الصوت. وقال قتادة الملاحة في العينين، والحسن في الأنف، والحلاوة في الفم. وقيل الوجه الحسن. وقيل الخط الحسن. وقيل الشعر الجعد. وقيل العقل والتمييز. وقيل العلوم، والصنائع، ولا وجه لقصر ذلك على نوع خاص بل يتناول كل زيادة. وجملة { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } تعليل لما قبلها من أنه يزيد في الخلق ما يشاء. { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } أي ما يأتيهم الله به من مطر ورزق لا يقدر أحد أن يمسكه { وَمَا يُمْسِكْ } من ذلك لا يقدر أحد أن يرسله من بعد إمساكه. وقيل المعنى إن الرسل بعثوا رحمة للناس، فلا يقدر على إرسالهم غير الله. وقيل هو الدعاء. وقيل التوبة. وقيل التوفيق، والهداية. ولا وجه لهذا التخصيص بل المعنى كل ما يفتحه الله للناس من خزائن رحمته، فيشمل كل نعمة ينعم الله بها على خلقه، وهكذا الإمساك يتناول كل شيء يمنعه الله من نعمه، فهو سبحانه المعطي المانع القابض الباسط لا معطي سواه، ولا منعم غيره.

السابقالتالي
2 3 4