الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } * { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } * { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } * { وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } * { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } * { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } * { ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

ثم ذكر سبحانه افتقار خلقه إليه، ومزيد حاجتهم إلى فضله، فقال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱللَّهِ } أي المحتاجون إليه في جميع أمور الدين والدنيا، فهم الفقراء إليه على الإطلاق، و { هُوَ ٱلْغَنِىُّ } على الإطلاق { ٱلْحَمِيدِ } أي المستحقّ للحمد من عباده بإحسانه إليهم. ثم ذكر سبحانه نوعاً من الأنواع التي يتحقق عندها افتقارهم إليه، واستغناؤه عنهم، فقال { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } أي إن يشأ يفنكم، ويأت بدلكم بخلق جديد يطيعونه، ولا يعصونه، أو يأت بنوع من أنواع الخلق، وعالم من العالم غير ما تعرفون { وَمَا ذٰلِكَ } إلاّ ذهاب لكم، والإتيان بآخرين { عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي بممتنع، ولا متعسر، وقد مضى تفسير هذا في سورة إبراهيم { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي نفس وازرة، فحذف الموصوف للعلم به، ومعنى تزر تحمل. والمعنى لا تحمل نفس حمل نفس أخرى، أي إثمها بل كل نفس تحمل وزرها، ولا تخالف هذه الآية قولهوَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } العنكبوت 13 لأنهم إنما حملوا أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم، والكلّ من أوزارهم، لا من أوزار غيرهم، ومثل هذا حديث " من سنّ سنة سيئة، فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " فإن الذين سنّ السنة السيئة إنما حمل وزر سنته السيئة، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية مستوفى. { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا } قال الفرّاء أي نفس مثقلة، قال وهذا يقع للمذكر، والمؤنث. قال الأخفش أي وإن تدع مثقلة إنساناً إلى حملها، وهو ذنوبها { لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ } أي من حملها { شَىْء وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } أي ولو كان الذي تدعوه ذا قرابة لها، لم يحمل من حملها شيئاً. ومعنى الآية وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفساً أخرى إلى حمل شيء من ذنوبها معها لم تحمل تلك المدعوّة من تلك الذنوب شيئاً، ولو كانت قريبة لها في النسب، فكيف بغيرها مما لا قرابة بينها، وبين الداعية لها؟ وقرىء ذو قربى على أن كان تامة، كقولهوَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } البقرة 280. وجملة { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } مستأنفة مسوقة لبيان من يتعظ بالإنذار، ومعنى { يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } أنه يخشونه حال كونهم غائبين عن عذابه، أو يخشون عذابه، وهو غائب عنهم، أو يخشونه في الخلوات عن الناس. قال الزجاج تأويله أن إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم، فكأنك تنذرهم دون غيرهم ممن لا ينفعهم الإنذار، كقولهإِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـٰهَا } النازعات 45 وقولهإِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِكْرَ وَخشِىَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } يسۤ 11. ومعنى { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أنهم احتفلوا بأمرها، ولم يشتغلوا عنها بشيء مما يلهيهم.

السابقالتالي
2 3