الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } * { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

ثم أخبر سبحانه عن نوع من أنواع بديع صنعه، وعظيم قدرته، ليتفكروا في ذلك، وليعتبروا به، فقال { وَٱللَّهُ ٱلَّذِى أَرْسَلَ ٱلرّيَاحَ } قرأ الجمهور { الرياح } ، وقرأ ابن كثير، وابن محيصن، والأعمش، ويحيـى بن وثاب، وحمزة، والكسائي الريح بالإفراد { فَتُثِيرُ سَحَـٰباً } جاء بالمضارع بعد الماضي استحضاراً للصورة، لأن ذلك أدخل في اعتبار المعتبرين، ومعنى كونها تثير السحاب أنها تزعجه من حيث هو { فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيّتٍ } قال أبو عبيدة سبيله، فتسوقه، لأنه قال { فتثير سحاباً }. قيل النكتة في التعبير بالماضيين بعد المضارع الدلالة على التحقق. قال المبرد ميت وميّت واحد، وقال هذا قول البصريين، وأنشد
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء   
{ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } أي أحيينا بالمطر الأرض بإنبات ما ينبت فيها، وإن لم يتقدّم ذكر المطر، فالسحاب يدل عليه، أو أحيينا بالسحاب، لأنه سبب المطر { بَعْدَ مَوْتِهَا } أي بعد يبسها، استعار الإحياء للنبات، والموت لليبس { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } أي كذلك يحيـي الله العباد بعد موتهم كما أحيا الأرض بعد موتها، والنشور البعث، من نشر الإنسان نشوراً، والكاف في محل رفع على الخيرية، أي مثل إحياء موات الأرض إحياء الأموات، فكيف تنكرونه، وقد شاهدتم غير مرّة ما هو مثله وشبيه به؟ { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } قال الفرّاء معناه من كان علم العزة لمن هي؟ فإنها الله جميعاً. وقال قتادة من كان يريد العزّة، فليتعزز بطاعة الله، فجعل معنى فللّه العزّة الدعاء إلى طاعة من له العزّة، كما يقال من أراد المال، فالمال لفلان، أي فليطلبه من عنده. وقال الزجاج تقديره من كان يريد بعبادة الله العزّة، والعزّة له سبحانه، فإن الله عزّ وجلّ يعزّه في الدنيا والآخرة. وقيل المراد بقوله { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } المشركون، فإنهم كانوا يتعزّزون بعبادة الأصنام كقولهوَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءالِهَةً لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } مريم 81. وقيل المراد الذين كانوا يتعزّزون بهم من الذين آمنوا بألسنتهمٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ } النساء 139 الآية. { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } أي فليطلبها منه لا من غيره، والظاهر في معنى الآية أن من كان يريد العزّة، ويطلبها، فليطلبها من الله عزّ وجلّ فللّه العزّة جميعاً، ليس لغيره منها شيء، فتشمل الآية كل من طلب العزّة، ويكون المقصود بها التنبيه لذوي الأقدار، وألهمم من أين تنال العزّة، ومن أيّ جهة تطلب؟ { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ } أي إلى الله يصعد لا إلى غيره، ومعنى صعوده إليه قبوله له، أو صعود الكتبة من الملائكة بما يكتبونه من الصحف، وخصّ الكلم الطيب بالذكر لبيان الثواب عليه، وهو يتناول كل كلام يتصف بكونه طيباً من ذكر لله، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وتلاوة، وغير ذلك، فلا وجه لتخصيصه بكلمة التوحيد، أو بالتحميد، والتمجيد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6