الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } * { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } * { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ }

ثم ذكر سبحانه نوعاً آخر من أنواع كفرهم، فقال { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا } أي الآيات القرآنية حال كونها { بَيّنَـٰتٍ } واضحات الدلالات ظاهرات المعاني { قَالُواْ مَا هَـٰذَا } يعنون التالي لها، وهو النبي { إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُم } أي أسلافكم من الأصنام التي كانوا يعبدونها { وَقَالُواْ } ثانياً { مَا هَـٰذَا } يعنون القرآن الكريم { إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } أي كذب مختلق { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ثالثاً { لِلْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ } أي لأمر الدين الذي جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } وهذا الإنكار منهم خاص بالتوحيد، وأما إنكار القرآن، والمعجزة، فكان متفقاً عليه بين أهل الكتاب، والمشركين. وقيل أريد بالأوّل، وهو قولهم { إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } معناه، وبالثاني، وهو قولهم { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } نظمه المعجز. وقيل إن طائفة منهم قالوا إنه إفك، وطائفة قالوا إنه سحر. وقيل إنهم جميعاً قالوا تارة إنه إفك، وتارة إنه سحر، والأوّل أولى. { وَمَا ءاتَيْنَـٰهُمْ مّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا } أي ما أنزلنا على العرب كتباً سماوية يدرسون فيها { وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مّن نَّذِيرٍ } يدعوهم إلى الحقّ، وينذرهم بالعذاب، فليس لتكذيبهم بالقرآن وبالرسول وجه، ولا شبهة يتشبثون بها. قال قتادة ما أنزل الله على العرب كتاباً قبل القرآن، ولا بعث إليهم نبياً قبل محمد صلى الله عليه وسلم. قال الفرّاء، أي من أين كذبوك، ولم يأتهم كتاب، ولا نذير بهذا الذي فعلوه. ثم خوّفهم سبحانه، وأخبر عن عاقبتهم، وعاقبة من كان قبلهم، فقال { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } من القرون الخالية { وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَا ءاتَيْنَـٰهُمْ } أي ما بلغ أهل مكة من مشركي قريش، وغيرهم من العرب عشر ما آتينا من قبلهم من القوّة، وكثرة المال، وطول العمر، فأهلكهم الله، كعاد، وثمود، وأمثالهم. والمعشار هو العشر. قال الجوهري معشار الشيء عشره. وقيل المعشار عشر العشر، والأوّل أولى. وقيل إن المعنى ما بلغ من قبلهم معشار ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى. وقيل ما بلغ من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم. وقيل ما أعطى الله من قبلهم معشار ما أعطاهم من العلم، والبيان، والحجة، والبرهان، والأوّل أولى. وقيل المعشار عشر العشير، والعشير عشر العشر، فيكون جزءاً من ألف جزء. قال الماوردي وهو الأظهر لأن المراد به المبالغة في التقليل، قلت مراعاة المبالغة في التقليل لا يسوغ لأجلها الخروج عن المعنى العربي، وقوله { فَكَذَّبُواْ رُسُلِى } عطف على { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } على طريقة التفسير، كقولهكَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا }

السابقالتالي
2 3 4