الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

في انتصاب { كَافَّةً } وجوه، فقيل إنه منتصب على الحال من الكاف في { أَرْسَلْنَـٰكَ } قال الزجاج أي وما أرسلناك إلاّ جامعاً للناس بالإنذار، والإبلاغ، والكافة بمعنى الجامع، والهاء فيه للمبالغة كعلامة. قال أبو حيان أما قول الزجاج إن كافّة بمعنى جامعاً، والهاء فيه للمبالغة، فإن اللغة لا تساعد عليه لأن كفّ ليس معناه جمع، بل معناه منع. يقال كف يكف، أي منع يمنع. والمعنى إلاّ مانعاً لهم من الكفر، ومنه الكفّ لأنها تمنع من خروج ما فيه. وقيل إنه منتصب على المصدرية، والهاء للمبالغة كالعاقبة، والعافية، والمراد أنها صفة مصدر محذوف، أي إلاّ رسالة كافّة. وقيل إنه حال من الناس، والتقدير وما أرسلناك إلاّ للناس كافّة، وردّ بأنه لا يتقدّم الحال من المجرور عليه كما هو مقرّر في علم الإعراب. ويجاب عنه بأنه قد جوّز ذلك أبو عليّ الفارسيّ، وابن كيسان، وابن برهان، ومنه قول الشاعر
إذا المرء أعيته السيادة ناشئا فمطلبها كهلاً عليه عسير   
وقول الآخر
تسليت طرّاً عنكم بعد بينكم بذكراكم حتى كأنكم عندي   
وقول الآخر
غافلاً تعرض المنية للمر ء فيدعى ولات حين إباء   
وممن رجح كونها حالاً من المجرور بعدها ابن عطية، وقال قدمت للاهتمام، والتقوّي. وقيل المعنى إلاّ ذا كافّة، أي ذا منع، فحذف المضاف. قيل واللام في { لِلنَّاسِ } بمعنى إلى، أي وما أرسلناك إلى الناس إلاّ جامعاً لهم بالإنذار، والإبلاغ، أو مانعاً لهم من الكفر، والمعاصي، وانتصاب { بَشِيراً وَنَذِيراً } على الحال، أي مبشراً لهم بالجنة، ومنذراً لهم من النار { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ما عند الله، وما لهم من النفع في إرسال الرسل. { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي متى يكون هذا الوعد الذي تعدونا به، وهو قيام الساعة أخبرونا به إن كنتم صادقين. قالوا هذا على طريقة الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه من المؤمنين، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب عنهم، فقال { قُل لَّكُم مّيعَادُ يَوْمٍ } أي ميقات يوم، وهو يوم البعث. وقيل وقت حضور الموت. وقيل أراد يوم بدر لأنه كان يوم عذابهم في الدنيا، وعلى كل تقدير، فهذه الإضافة للبيان، ويجوز في ميعاد أن يكون مصدراً مراداً به الوعد، وأن يكون اسم زمان. قال أبو عبيدة الوعد، والوعيد، والميعاد بمعنى. وقرأ ابن أبي عبلة بتنوين ميعاد ورفعه، ونصب يوم على أن يكون ميعاد مبتدأ، ويوماً ظرف، والخبر لكم. وقرأ عيسى بن عمر برفع ميعاد منوّناً، ونصب يوم مضافاً إلى الجملة بعده. وأجاز النحويون ميعاد يوم برفعهما منوّنين على أن ميعاد مبتدأ، ويوم بدل منه، وجملة { لاَّ تَسْتَـئَخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } صفة لميعاد، أي هذا الميعاد المضروب لكم لا تتأخرون عنه، ولا تتقدّمون عليه، بل يكون لا محالة في الوقت الذي قد قدّر الله وقوعه فيه.

السابقالتالي
2 3