الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } * { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } * { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } * { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } * { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ }

لما ذكر سبحانه حال بعض الشاكرين لنعمه عقبه بحال بعض الجاحدين لها، فقال { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } المراد بسبأ القبيلة التي هي من أولاد سبأ، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود. قرأ الجمهور { لسبأ } بالجرّ والتنوين على أنه اسم حيّ، أي الحيّ الذين هم أولاد سبأ، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو لسبأ ممنوع الصرف بتأويل القبيلة، واختار هذه القراءة أبو عبيد، ويقوّي القراءة الأولى قوله { فِى مَسَـٰكِنِهِمْ } ، ولو كان على تأويل القبيلة لقال في مساكنها، فمما ورد على القراءة الأولى قول الشاعر
الواردون وتيم في ذرى سبأ قد عضّ أعناقها جلد الجواميس   
ومما ورد على القراءة الثانية قول الشاعر
من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون مسيله العرما   
وقرأ قنبل، وأبو حيوة، والجحدري لبسأ بإسكان الهمزة، وقرىء بقلبها ألفاً. وقرأ الجمهور { فِى مَسَـٰكِنِهِمْ } على الجمع، واختار هذه القراءة أبو عبيد، وأبو حاتم، ووجه الاختيار أنها كانت لهم منازل كثيرة، ومساكن متعدّدة. وقرأ حمزة، وحفص بالإفراد مع فتح الكاف. وقرأ الكسائي بالإفراد مع كسرها، وبهذه القراءة قرأ يحيـى بن وثاب، والأعمش، ووجه الإفراد أنه مصدر يشمل القليل، والكثير، أو اسم مكان، وأريد به معنى الجمع، وهذه المساكن التي كانت لهم هي التي يقال لها الآن مأرب، وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال، ومعنى قوله { ءايَةً } أي علامة دالة على كمال قدرة الله، وبديع صنعه، ثم بين هذه الآية، فقال { جَنَّتَانِ } ، وارتفاعهما على البدل من آية قاله الفراء، أو على أنهما خبر مبتدأ محذوف قاله الزجاج، أو على أنهما مبتدأ، وخبره { عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } ، واختار هذا الوجه ابن عطية، وفيه أنه لا يجوز الابتداء بالنكرة من غير مسوّغ، وقرأ ابن أبي عبلة «جنتين» بالنصب على أنهما خبر ثان، واسمها آية، وهاتان الجنتان كانتا عن يمين واديهم وشماله، قد أحاطتا به من جهتيه، وكانت مساكنهم في الوادي، والآية هي الجنتان، كانت المرأة تمشي فيهما، وعلى رأسها المكتل، فيمتلىء من أنواع الفواكه التي تتساقط من غير أن تمسها بيدها. وقال عبد الرحمن بن زيد إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة، ولا ذباباً، ولا برغوثاً، ولا قملة، ولا عقرباً، ولا حية، ولا غير ذلك من الهوام، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل ماتت عند رؤيتهم لبيوتهم. قال القشيري ولم يرد جنتين اثنتين، بل أراد من الجهتين يمنة ويسرة في كل جهة بساتين كثيرة { كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ } أي قيل لهم ذلك، ولم يكن ثم أمر، ولكن المراد تمكينهم من تلك النعم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7