الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } * { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ }

ثم ذكر سبحانه من عباده المنيبين إليه داود، وسليمان كما قال في داودفَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } صۤ 24 وقال في سليمانوَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } صۤ 34، فقال { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودُ مِنَّا فَضْلاً } أي آتيناه بسبب إنابته فضلاً منا على سائر الأنبياء. واختلف في هذا الفضل على أقوال فقيل النبوّة. وقيل الزبور. وقيل العلم. وقيل القوّة كما في قولهوَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودُ ذَا ٱلأَيْدِ } صۤ 17. وقيل تسخير الجبال كما في قوله { يٰجِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ } وقيل التوبة، وقيل الحكم بالعدل كما في قولهيٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقّ } صۤ 26. وقيل هو إلاّنة الحديد كما في قوله { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } ، وقيل حسن الصوت، والأولى أن يقال إن هذا الفضل المذكور هو ما ذكره الله بعده من قوله { يا جِبَالٍ } إلى آخر الآية، وجملة { يٰجِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ } مقدّرة بالقول، أي قلنا يا جبال. والتأويب التسبيح كما في قولهإِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبّحْنَ } صۤ 18. قال أبو ميسرة هو التسبيح بلسان الحبشة. وكان إذا سبح داود سبحت معه، ومعنى تسبيح الجبال أن الله يجعلها قادرة على ذلك، أو يخلق فيها التسبيح معجزة لداود. وقيل معنى { أوّبي } سيري معه، من التأويب الذي هو سير النهار أجمع، ومنه قول ابن مقبل
لحقنا بحيّ أوّبوا السير بعد ما دفعنا شعاع الشمس والطرف مجنح   
قرأ الجمهور { أوّبى } بفتح الهمزة، وتشديد الواو على صيغة الأمر، من التأويب وهو الترجيع، أو التسبيح، أو السير، أو النوح. وقرأ ابن عباس، والحسن، وقتادة، وابن أبي إسحاق «أوبى» بضم الهمزة أمراً من آب يئوب إذا رجع، أي ارجعي معه. قرأ الجمهور { وَٱلطَّيْرُ } بالنصب عطفاً على { فضلاً } على معنى وسخرنا له الطير، لأن إيتاءه إياها تسخيرها له، أو عطفاً على محل { يا جبال } لأنه منصوب تقديراً، إذ المعنى نادينا الجبال، والطير. وقال سيبويه، وأبو عمرو بن العلاء انتصابه بفعل مضمر على معنى وسخرنا له الطير. وقال الزجاج، والنحاس يجوز أن يكون مفعولاً معه كما تقول استوى الماء، والخشبة. وقال الكسائي إنه معطوف على { فضلاً } لكن على تقدير مضاف محذوف، أي آتيناه فضلاً، وتسبيح الطير. وقرأ السلمي، والأعرج، ويعقوب، وأبو نوفل، وابن أبي إسحاق، ونصر بن عاصم، وابن هرمز، ومسلمة بن عبد الملك بالرفع عطفاً على لفظ الجبال، أو على المضمر في { أوّبي } لوقوع الفصل بين المعطوف، والمعطوف عليه { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } معطوف على { آتيناه } أي جعلناه ليناً ليعمل به ما شاء. قال الحسن صار الحديد كالشمع يعمله من غير نار. وقال السدّي كان الحديد في يده كالطين المبلول، والعجين، والشمع يصرفه كيف يشاء من غير نار، ولا ضرب بمطرقة، وكذا قال مقاتل، وكان يفرغ من عمل الدرع في بعض يوم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6