الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } * { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } * { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله { لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوْاْ مُوسَىٰ } هو قولهم إن به أدرة أو برصاً أو عيباً، وسيأتي بيان ذلك آخر البحث، وفيه تأديب للمؤمنين وزجر لهم عن أن يدخلوا في شيء من الأمور التي تؤذي رسول الله. قال مقاتل وعظ الله المؤمنين أن لا يؤذوا محمداً صلى الله عليه وسلم كما آذى بنو إسرائيل موسى. وقد وقع الخلاف فيما أوذي به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية، فحكى النقاش أن أذيتهم محمداً قولهم زيد بن محمد. وقال أبو وائل إنه صلى الله عليه وسلم قسم قسماً، فقال رجل من الأنصار إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، وقيل نزلت في قصة زيد بن حارثة، وزينب بنت جحش وما سمع فيها من قالة الناس، ومعنى { وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } وكان عند الله عظيماً ذا وجاهة، الوجيه عند الله العظيم القدر الرفيع المنزلة، وقيل في تفسير الوجاهة إنه كلمه تكليماً. قرأ الجمهور { وكان عند الله } بالنون على الظرفية المجازية، وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبو حيوة " عبد الله " بالباء الموحدة من العبودية، و " ما " في قوله { فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } هي الموصولة أو المصدرية، أي من الذي قالوه، أو من قولهم. { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي في كل أمر من الأمور { وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } أي قولاً صواباً وحقاً. قال قتادة ومقاتل يعني قولوا قولاً سديداً في شأن زيد وزينب، ولا تنسبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ما لا يحلّ. وقال عكرمة إن القول السديد لا إلٰه إلاّ الله. وقيل هو الذي يوافق ظاهره باطنه. وقيل هو ما أريد به وجه الله دون غيره. وقيل هو الإصلاح بين الناس. والسديد مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض، والظاهر من الآية أنه أمرهم بأن يقولوا قولاً سديداً في جميع ما يأتونه ويذرونه فلا يخص ذلك نوعاً دون نوع، وإن لم يكن في اللفظ ما يقتضي العموم فالمقام يفيد هذا المعنى لأنه أرشد سبحانه عباده إلى أن يقولوا قولاً يخالف قول أهل الأذى. ثم ذكر ما لهؤلاء الذين امتثلوا الأمر بالتقوى والقول السديد من الأجر فقال { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ } أي يجعلها صالحة لا فاسدة بما يهديهم إليه ويوفقهم فيه { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أي يجعلها مكفرة مغفورة { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في فعل ما هو طاعة واجتناب ما هو معصية { فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أي ظفر بالخير ظفراً عظيماً، ونال خير الدنيا والآخرة، وهذه الجملة مستأنفة مقرّرة لما سبقها. ثم لما فرغ سبحانه من بيان ما لأهل الطاعة من الخير بعد بيان ما لأهل المعصية من العذاب بين عظم شأن التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها، فقال { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا }.

السابقالتالي
2 3 4 5