الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } * { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } * { يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } * { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً }

لما فرغ سبحانه من الزجر لمن يؤذي رسوله والمؤمنين والمؤمنات من عباده أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر بعض من ناله الأذى ببعض ما يدفع ما يقع عليه منه، فقال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ } " من " للتبعيض، والجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب أكبر من الخمار. قال الجوهري الجلباب الملحفة، وقيل القناع، وقيل هو ثوب يستر جميع بدن المرأة، كما ثبت في الصحيح من حديث أم عطية أنها قالت يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال " لتلبسها أختها من جلبابها " ، قال الواحدي قال المفسرون يغطين وجوههنّ ورؤوسهنّ إلاّ عيناً واحدة، فيعلم أنهنّ حرائر فلا يعرض لهنّ بأذى. وقال الحسن تغطي نصف وجهها. وقال قتادة تلويه فوق الجبين وتشدّه ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى إدناء الجلابيب، وهو مبتدأ وخبره { أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ } أي أقرب أن يعرفن، فيتميزن عن الإماء، ويظهر للناس أنهنّ حرائر { فَلاَ يُؤْذَيْنَ } من جهة أهل الريبة بالتعرض لهنّ مراقبة لهنّ، ولأهلهنّ وليس المراد بقوله { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ } أن تعرف الواحدة منهن من هي، بل المراد أن يعرفن أنهنّ حرائر لا إماء لأنهنّ قد لبسن لبسة تختص بالحرائر { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لما سلف منهنّ من ترك إدناء الجلابيب { رَّحِيماً } بهنّ، أو غفوراً لذنوب المذنبين رحيماً بهم، فيدخلن في ذلك دخولاً أوّلياً. ثم توعد سبحانه أهل النفاق والإرجاف، فقال { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } عما هم عليه من النفاق { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي شك وريبة عما هم عليه من الاضطراب { وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } عما يصدر منهم من الإرجاف بذكر الأخبار الكاذبة المتضمنة لتوهين جانب المسلمين وظهور المشركين عليهم. قال القرطبي أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد، والمعنى أن المنافقين قد جمعوا بين النفاق ومرض القلوب، والإرجاف على المسلمين، فهو على هذا من باب قوله
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم   
أي إلى الملك القرم بن الهمام ليث الكتيبة. وقال عكرمة وشهر بن حوشب { الذين في قلوبهم مرض } هم الزناة. والإرجاف في اللغة إشاعة الكذب والباطل، يقال أرجف بكذا إذا أخبر به على غير حقيقة لكونه خبرًا متزلزلاً غير ثابت، من الرجفة وهي الزلزلة. يقال رجفت الأرض، أي تحركت وتزلزلت ترجف رجفاً، والرجفان الاضطراب الشديد، وسمي البحر رجافاً لاضطرابه، ومنه قول الشاعر
المطعمون اللحم كل عشية حتى تغيب الشمس في الرجاف   

السابقالتالي
2 3 4