الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }

قرأ الجمهور { وَمَلاَئِكَتُهُ } بنصب الملائكة عطفاً على لفظ اسم إنّ. وقرأ ابن عباس " وَمَلاَئِكَتُهُ " بالرفع عطفاً على محل اسم إنّ، والضمير في قوله { يَصِلُونَ } راجع إلى الله وإلى الملائكة، وفيه تشريف للملائكة عظيم حيث جعل الضمير لهم ولله سبحانه واحداً، فلا يرد الاعتراض بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم لما سمع قول الخطيب يقول من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال " بئس خطيب القوم أنت، قل ومن يعص الله ورسوله " ووجه ذلك أنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله سبحانه مع غيره في ضمير واحد، وهذا الحديث ثابت في الصحيح. وثبت أيضاً في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي يوم خيبر إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية. ولأهل العلم أبحاث في الجمع بين الحديثين ليس هذا موضع ذكرها، والآية مؤيدة للجواز لجعل الضمير فيها لله ولملائكته واحداً، والتعليل بالتشريف للملائكة يقال مثله في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحمل الذمّ لذلك الخطيب الجامع بينهما على أنه صلى الله عليه وسلم فهم منه إرادة التسوية بين الله سبحانه وبين رسوله، فيختص المنع بمثل ذلك، وهذا أحسن ما قيل في الجمع. وقالت طائفة في هذه حذف، والتقدير إن الله يصلي وملائكته يصلون، وعلى هذا القول فلا تكون الآية مما جمع فيه بين ذكر الله، وذكر غيره في ضمير واحد، ولا يرد أيضاً ما قيل إن الصلاة من الله الرحمة، ومن ملائكته الدعاء، فكيف يجمع بين هذين المعنيين المختلفين في لفظ يصلون؟ ويقال على القول الأوّل إنه أريد بـ { يصلون } معنى مجازي يعمّ المعنيين، وذلك بأن يراد بقوله { يصلون } يهتمون بإظهار شرفه، أو يعظمون شأنه، أو يعتنون بأمره. وحكى البخاري عن أبي العالية أن صلاة الله سبحانه ثناؤه عليه عند ملائكته وصلاة الملائكة الدعاء. وروى الترمذي في سننه عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم أنهم قالوا صلاة الربّ الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار. وحكى الواحدي عن مقاتل أنه قال أما صلاة الربّ فالمغفرة، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار. وقال عطاء بن أبي رباح صلاته تبارك وتعالى سبوح قدوس سبقت رحمتي غضبي. والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة نبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند ملائكته وأن الملائكة تصلي عليه، وأمر عباده بأن يقتدوا بذلك ويصلوا عليه. وقد اختلف أهل العلم في الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم هل هي واجبة أم مستحبة؟ بعد اتفاقهم على أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6