الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } * { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } * { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }

قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيّ } هذا نهي عام لكل مؤمن أن يدخل بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ بإذن منه. وسبب النزول ما وقع من بعض الصحابة في وليمة زينب، وسيأتي بيان ذلك آخر البحث إن شاء الله. وقوله { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ } استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال، أي لا تدخلوها في حال من الأحوال إلاّ في حال كونكم مأذوناً لكم، وهو في موضع نصب على الحال، أي إلاّ مصحوبين بالإذن، أو بنزع الخافض، أي إلاّ بأن يؤذن لكم، أو منصوب على الظرفية، أي إلاّ وقت أن يؤذن لكم، وقوله { إِلَىٰ طَعَامٍ } متعلق بـ { يؤذن } على تضمينه معنى الدعاء، أي إلاّ أن يؤذن لكم مدعوّين إلى طعام، وانتصاب { غَيْرَ نَـٰظِرِينَ إِنَـٰهُ } على الحال، والعامل فيه { يؤذن } أو مقدّر، أي ادخلوا غير ناظرين ومعنى ناظرين منتظرين، وإناه نضجه وإدراكه، يقال أنى يأني أنى إذا حان وأدرك. قرأ الجمهور { غير ناظرين } بالنصب. وقرأ ابن أبي عبلة " غير " بالجرّ صفة لطعام، وضعف النحاة هذه القراءة لعدم بروز الضمير لكونه جارياً على غير من هو له، فكان حقه أن يقال { غَيْرَ نَـٰظِرِينَ } إناه أنتم. ثم بيّن لهم سبحانه ما ينبغي في ذلك، فقال { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ } وفيه تأكيد للمنع، وبيان الوقت الذي يكون فيه الدخول، وهو عند الإذن. قال ابن العربي وتقدير الكلام ولكن إذا دعيتم وأذن لكم فادخلوا، وإلاّ فنفس الدعوة لا تكون إذناً كافياً في الدخول. وقيل إن فيه دلالة بينة على أن المراد بالإذن إلى الطعام هو الدعوة إليه { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ } أمرهم سبحانه بالانتشار بعد الطعام، وهو التفرّق، والمراد الإلزام بالخروج من المنزل الذي وقعت الدعوة إليه عند انقضاء المقصود من الأكل { وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } عطف على قوله { غير ناظرين } ، أو على مقدّر، أيّ ولا تدخلوا ولا تمكثوا مستأنسين. والمعنى النهي لهم عن أن يجلسوا بعد الطعام يتحدّثون مستأنسين بالحديث. قال الرازي في قوله { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ } إما أن يكون فيه تقديم وتأخير تقديره ولا تدخلوا إلى طعام إلاّ أن يؤذن لكم، فلا يكون منعاً من الدخول في غير وقت الطعام بغير إذن. وإما أن لا يكون فيه تقديم وتأخير، فيكون معناه ولا تدخلوا إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعام، فيكون الإذن مشروطاً بكونه إلى طعام، فإن لم يؤذن إلى طعام فلا يجوز الدخول، فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام فلا يجوز، فنقول المراد هو الثاني ليعمّ النهي عن الدخول.

السابقالتالي
2 3 4 5