الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } * { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }

لما ذكر سبحانه قصة زيد، وطلاقه لزينب، وكان قد دخل بها، وخطبها النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدتها كما تقدّم، خاطب المؤمنين مبيناً لهم حكم الزوجة إذا طلقها زوجها قبل الدخول فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي عقدتم بهنّ عقد النكاح، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلاّ في معنى العقد كما قاله صاحب الكشاف والقرطبي وغيرهما. وقد اختلف في لفظ النكاح هل هو حقيقة في الوطء، أو في العقد، أو فيهما على طريقة الاشتراك؟ وكلام صاحب الكشاف في هذا الموضع يشعر بأنه حقيقة في الوطء، فإنه قال النكاح الوطء، وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له من حيث أنه طريق إليه، ونظيره تسمية الخمر إثماً لأنها سبب في اقتراف الإثم. ومعنى { مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } من قبل أن تجامعوهنّ، فكنى عن ذلك بلفظ المس { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } وهذا مجمع عليه كما حكى ذلك القرطبي وابن كثير، ومعنى { تعتدّونها } تستوفون عددها، من عددت الدراهم، فأنا أعتدّها. وإسناد ذلك إلى الرجال للدلالة على أن العدّة حق لهم كما يفيده { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ } قرأ الجمهور { تعتدّونها } بتشديد الدال، وقرأ ابن كثير في رواية عنه وأهل مكة بتخفيفها. وفي هذه القراءة وجهان أحدهما أن تكون بمعنى الأولى، مأخوذة من الاعتداد، أي تستوفون عددها، ولكنهم تركوا التضعيف لقصد التخفيف. قال الرازي ولو كان من الاعتداء الذي هو الظلم لضعف لأن الاعتداء يتعدّى بعلى. وقيل يجوز أن يكون من الاعتداء بحذف حرف الجرّ، أي تعتدّون عليها، أي على العدّة مجازاً، ومثله قوله
تحنّ فتبدي ما بها من صبابة وأخفى الذي لولا الأسى لقضاني   
أي لقضى عليّ. والوجه الثاني أن يكون المعنى تعتدون فيها، والمراد بالاعتداء هذا هو ما في قولهوَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ } البقرة 231 فيكون معنى الآية على القراءة الآخرة فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّون عليهنّ فيها بالمضارة. وقد أنكر ابن عطية صحة هذه القراءة عن ابن كثير وقال إن البزيّ غلط عليه، وهذه الآية مخصصة لعموم قوله تعالىوَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوء } البقرة 228 وبقولهوَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نّسَائِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } الطلاق 4. والمتعة المذكورة هنا قد تقدّم الكلام فيها في البقرة وقال سعيد بن جبير هذه المتعة المذكورة هنا منسوخة بالآية التي في البقرة، وهي قولهوَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } البقرة 237. وقيل المتعة هنا هي أعمّ من أن تكون نصف الصداق، أو المتعة خاصة إن لم يكن قد سمي لها، فمع التسمية للصداق تستحق نصف المسمى عملاً بقوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10