الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } * { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } * { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } * { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً } * { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِـيلاً }

قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } أمر سبحانه عباده بأن يستكثروا من ذكره بالتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير وكل ما هو ذكر لله تعالى. قال مجاهد هو أن لا ينساه أبداً، وقال الكلبي ويقال ذكراً كثيراً بالصلوات الخمس، وقال مقاتل هو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير على كل حال { وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي نزّهوه عما لا يليق به في وقت البكرة ووقت الأصيل، وهما أوّل النهار وآخره، وتخصيصهما بالذكر لمزيد ثواب التسبيح فيهما. وخصّ التسبيح بالذكر بعد دخوله تحت عموم قوله { ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ }. تنبيهاً على مزيد شرفه، وإنافة ثوابه على غيره من الأذكار. وقيل المراد بالتسبيح بكرة صلاة الفجر، وبالتسبيح أصيلاً صلاة المغرب. وقال قتادة وابن جرير المراد صلاة الغداة، وصلاة العصر. وقال الكلبي أما بكرة فصلاة الفجر، وأما أصيلاً فصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال المبرّد والأصيل العشيّ وجمعه أصائل. { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ } والصلاة من الله على العباد رحمته لهم وبركته عليهم، ومن الملائكة الدعاء لهم والاستغفار كما قالوَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } غافر 7 قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان المعنى ويأمر ملائكته بالاستغفار لكم، والجملة مستأنفة كالتعليل لما قبلها من الأمر بالذكر والتسبيح. وقيل الصلاة من الله على العبد هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده. وقيل الثناء عليه، وعطف ملائكته على الضمير المستكن في يصلي لوقوع الفصل بقوله { عليكم } فأغنى ذلك عن التأكيد المراد بالضمير المنفصل. والمراد بالصلاة هنا معنى مجازي يعمّ صلاة الله بمعنى الرحمة، وصلاة الملائكة بمعنى الدعاء لئلا يجمع بين حقيقة ومجاز في كلمة واحدة، واللام في { لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } متعلق بـ { يصلي } ، أي يعتني بأموركم هو وملائكته ليخرجكم من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعات، ومن ظلمة الضلالة إلى نور الهدى، ومعنى الآية تثبيت المؤمنين على الهداية ودوامهم عليها لأنهم كانوا وقت الخطاب على الهداية. ثم أخبر سبحانه برحمته للمؤمنين تأنيساً لهم وتثبيتاً فقال { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } وفي هذه الجملة تقرير لمضمون ما تقدّمها. ثم بيّن سبحانه أن هذه الرحمة منه لا تخص السامعين وقت الخطاب، بل هي عامة لهم ولمن بعدهم وفي الدار الآخرة، فقال { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ } أي تحية المؤمنين من الله سبحانه يوم لقائهم له عند الموت أو عند البعث أو عند دخول الجنة، هي التسليم عليهم منه عزّ وجلّ. وقيل المراد تحية بعضهم لبعض يوم يلقون ربهم سلام وذلك لأنه كان بالمؤمنين رحيماً، فلما شملتهم رحمته وأمنوا من عقابه حيا بعضهم بعضاً سروراً واستبشاراً. والمعنى سلامة لنا من عذاب النار. قال الزجاج المعنى فيسلمهم الله من الآفات، ويبشرهم بالأمن من المخافات يوم يلقونه.

السابقالتالي
2 3 4