الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً } * { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } * { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } * { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } * { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً }

قوله { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوّقِينَ مِنكُمْ } يقال عاقه واعتاقه وعوّقه إذا صرفه عن الوجه الذي يريده. قال الواحدي قال المفسرون هؤلاء قوم من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم قالوا لهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحماً لالتقمهم أبو سفيان وحزبه، فخلوهم وتعالوا إلينا. وقيل إن القائل هذه المقالة اليهود قالوا { لإِخْوٰنِهِمْ } من المنافقين { هَلُمَّ إِلَيْنَا } ومعنى { هلم } أقبل واحضر، وأهل الحجاز يسوون فيه بين الواحد والجماعة والمذكر والمؤنث، وغيرهم من العرب يقولون هلم للواحد المذكر، وهلمي للمؤنث، وهلما للاثنين، وهلموا للجماعة، وقد مرّ الكلام على هذا في سورة الأنعام { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ } أي الحرب { إِلاَّ قَلِيلاً } خوفاً من الموت. وقيل المعنى لا يحضرون القتال إلا رياء وسمعة من غير احتساب { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } أي بخلاء عليكم لا يعاونوكم بحفر الخندق، ولا بالنفقة في سبيل الله، قاله مجاهد وقتادة. وقيل أشحة بالقتال معكم. وقيل بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم. وقيل أشحة بالغنائم إذا أصابوها. قاله السديّ. وانتصابه على الحال من فاعل { يأتون }. أو من { المعوقين }. وقال الفراء يجوز في نصبه أربعة أوجه منها النصب على الذم، ومنها بتقدير فعل محذوف، أي يأتونه أشحة. قال النحاس ولا يجوز أن يكون العامل فيه للمعوقين ولا القائلين لئلا يفرق بين الصلة والموصول. { فَإِذَا جَاء ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ } أي تدور يميناً، وشمالاً وذلك سبيل الجبان إذا شاهد ما يخافه { كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } أي كعين الذي يغشى عليه من الموت، وهو الذي نزل به الموت وغشيته أسبابه، فيذهل ويذهب عقله، ويشخص بصره فلا يطرف، كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم لما يلحقهم من الخوف، ويقال للميت إذا شخص بصره دارت عيناه، ودارت حماليق عينيه، والكاف نعت مصدر محذوف { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } يقال سلق فلان فلاناً بلسانه إذا أغلظ له في القول مجاهراً. قال الفراء أي آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة سليطة ذربة. ويقال خطيب مسلاق ومصلاق إذا كان بليغاً، ومنه قول الأعشى
فيهم المجد والسماحة والنجـ ـدة فيهم والخاطب السلاق   
قال القتيبي المعنى آذوكم بالكلام الشديد، والسلق الأذى، ومنه قول الشاعر
ولقد سلقت هوازنا بنو أهل حتى انحنينا   
قال قتادة معنى الآية بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطنا فإنا قد شهدنا معكم. فعند الغنيمة أشحّ قوم وأبسطهم لساناً، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم. قال النحاس وهذا قول حسن، وانتصاب { أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ } على الحالية من فاعل { سلقوكم } ، ويجوز أن يكون نصبه على الذمّ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6