الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ }

قوله { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التوراة { فَلاَ تَكُن } يا محمد { فِي مِرْيَةٍ } أي شك، وريبة { مّن لّقَائِهِ } قال الواحدي قال المفسرون وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيلقى موسى قبل أن يموت، ثم لقيه في السماء أو في بيت المقدس حين أسري به. وهذا قول مجاهد والكلبي والسديّ. وقيل فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة وستلقاه فيها. وقيل فلا تكن في شك من لقاء موسى للكتاب. قاله الزجاج. وقال الحسن إن معناه ولقد آتينا موسى الكتاب فكذّب وأوذي، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى، فيكون الضمير في لقائه على هذا عائداً على محذوف، والمعنى من لقاء ما لاقى موسى. قال النحاس وهذا قول غريب. وقيل في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، فلا تكن في مرية من لقائه، فجاء معترضاً بين { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } وبين { وَجَعَلْنَـٰهُ هُدًى لّبَنِي إِسْرٰءيلَ } وقيل الضمير راجع إلى الكتاب الذي هو الفرقان كقولهوَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءانَ } النمل 6 والمعنى أنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحي، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ونظيره، وما أبعد هذا، ولعلّ الحامل لقائله عليه قوله { وَجَعَلْنَـٰهُ هُدًى لّبَنِي إِسْرٰءيلَ } فإن الضمير راجع إلى الكتاب. وقيل إن الضمير في { لقائه } عائد إلى الرجوع المفهوم من قوله { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ } أي لا تكن في مرية من لقاء الرجوع، وهذا بعيد أيضاً. واختلف في الضمير في قوله { وجعلناه } فقيل هو راجع إلى الكتاب، أي جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل، قاله الحسن وغيره. وقال قتادة إنه راجع إلى موسى، أي وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل. { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً } أي قادة يقتدون به في دينهم، وقرأ الكوفيون «أئمة» قال النحاس وهو لحن عند جميع النحويين، لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة، ومعنى { يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } أي يدعونهم إلى الهداية بما يلقونه إليه من أحكام التوراة ومواعظها بأمرنا، أي بأمرنا لهم بذلك، أو لأجل أمرنا. وقال قتادة المراد بالأئمة الأنبياء منهم. وقيل العلماء { لَمَّا صَبَرُواْ } قرأ الجمهور { لما } بفتح اللام وتشديد الميم، أي حين صبروا، والضمير للأئمة، وفي " لما " معنى الجزاء، والتقدير لما صبروا جعلناهم أئمة. وقرأ حمزة والكسائي وخلف وورش عن يعقوب ويحيى بن وثاب بكسر اللام وتخفيف الميم، أي جعلناهم أئمة لصبرهم، واختار هذه القراءة أبو عبيد مستدلاً بقراءة ابن مسعود «بما صبروا» بالباء، وهذا الصبر هو صبرهم على مشاقّ التكليف والهداية للناس، وقيل صبروا عن الدنيا { وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } التنزيلية { يُوقِنُونَ } أي يصدّقونها، ويعلمون أنها حق، وأنها من عند الله لمزيد تفكرهم، وكثرة تدبرهم.

السابقالتالي
2 3 4