الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } * { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } * { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ }

قوله { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ } المراد بالمجرمين هم القائلون { أئذا ضللنا } ، والخطاب هنا لكل من يصلح له، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يراد بالمجرمين كل مجرم، ويدخل فيه أولئك القائلون دخولاً أولياً، ومعنى { نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ } مطأطئوها حياء وندماً على ما فرط منهم في الدنيا من الشرك بالله والعصيان له، ومعنى عند ربهم عند محاسبته لهم. قال الزجاج والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته، فالمعنى ولو ترى يا محمد منكري البعث يوم القيامة لرأيت العجب { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } أي يقولون ربنا أبصرنا الآن ما كنا نكذب به وسمعنا ما كنا ننكره. وقيل أبصرنا صدق وعيدك، وسمعنا تصديق رسلك، فهؤلاء أبصروا حين لم ينفعهم البصر، وسمعوا حين لم ينفعهم السمع { فَٱرْجِعْنَا } إلى الدنيا { نَعْمَلْ } عملاً { صَـٰلِحاً } كما أمرتنا { إِنَّا مُوقِنُونَ } أي مصدقون. وقيل مصدقون بالذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وصفوا أنفسهم بالإيقان الآن طمعاً فيما طلبوه من إرجاعهم إلى الدنيا، وأنى لهم ذلك فقد حقت عليهم كلمة الله فإنهملَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } الأنعام 28. وقيل معنى { إِنَّا مُوقِنُونَ } أنها قد زالت عنهم الشكوك التي كانت تخالطهم في الدنيا لما رأوا ما رأوا وسمعوا ما سمعوا، ويجوز أن يكون معنى { أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } صرنا ممن يسمع ويبصر فلا يحتاج إلى تقدير مفعول، ويجوز أن يكون صالحاً مفعولاً لـ { نعمل } كما يجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف، وجواب لو محذوف، أي لرأيت أمراً فظيعاً وهولاً هائلاً. { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } هذا ردّ عليهم لما طلبوا الرجعة، أي لو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها فهدينا الناس جميعاً فلم يكفر منهم أحد. قال النحاس في معنى هذا قولان أحدهما أنه في الدنيا، والآخر أنه في الآخرة، أي ولو شئنا لرددناهم إلى الدنيا { وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وجملة { ولو شئنا } مقدّرة بقول معطوف على المقدّر قبل قوله { أبصرنا } أي ونقول لو شئنا، ومعنى { وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْي } أي نفذ قضائي وقدري وسبقت كلمتي { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } هذا هو القول الذي وجب من الله وحقّ على عباده ونفذ فيه قضاؤه، فكان مقتضى هذا القول أنه لا يعطي كلّ نفس هداها، وإنما قضى عليهم بهذا لأنه سبحانه قد علم أنهم من أهل الشقاوة، وأنهم ممن يختار الضلالة على الهدى. والفاء في قوله { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } لترتيب الأمر بالذوق على ما قبله، والباء في { بما نسيتم } للسببية، وفيه إشعار بأن تعذيبهم ليس لمجرد سبق القول المتقدّم، بل بذاك وهذا واختلف في النسيان المذكور هنا، فقيل هو النسيان الحقيقي، وهو الذي يزول عنده الذكر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6