الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ }

الخطاب بقوله { أَلَمْ تَرَ } لكلّ أحد يصلح لذلك، أو للرسول صلى الله عليه وسلم { أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْل } أي يدخل كل واحد منهما في الآخر، وقد تقدّم تفسيره في سورة الحج والأنعام { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي ذللهما وجعلهما منقادين بالطلوع والأفول تقديراً للآجال، وتتميما للمنافع، والجملة معطوفة على ما قبلهما مع اختلافهما { كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } اختلف في الأجل المسمى ماذا هو؟ فقيل هو يوم القيامة. وقيل وقت الطلوع ووقت الأفول، والأوّل أولى، وجملة { وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } معطوفة على أن { الله يولج } أي خبير بما تعملونه من الأعمال لا تخفى عليه منها خافية لأن من قدر على مثل هذه الأمور العظيمة فقدرته على العلم بما تعملونه بالأولى. قرأ الجمهور { تعملون } بالفوقية، وقرأ السلمي ونصر بن عامر والدوري عن أبي عمرو بالتحتية على الخبر. والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم ذكره، والباء في { بِأَنَّ ٱللَّهَ } للسببية، أي ذلك بسبب أنه سبحانه { هُوَ ٱلْحَقُّ } وغيره الباطل، أو متعلقة بمحذوف، أي فعل ذلك ليعلموا أنه الحق { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِلُ } قال مجاهد الذي يدعون من دونه هو الشيطان. وقيل ما أشركوا به من صنم، أو غيره، وهذا أولى { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } معطوفة على جملة { أن الله هو الحق } والمعنى أن ذلك الصنع البديع الذي وصفه في الآيات المتقدّمة للاستدلال به على حقية الله، وبطلان ما سواه، وعلوّه وكبريائه { هو العليّ } في مكانته، ذو الكبرياء في ربوبيته وسلطانه. ثم ذكر من عجيب صنعه وبديع قدرته نوعاً آخر فقال { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِى ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ } أي بلطفه بكم ورحمته لكم، وذلك من أعظم نعمه عليكم لأنها تخلصكم من الغرق عند أسفاركم في البحر لطلب الرزق، وقرأ ابن هرمز " بنعمات الله " جمع نعمة { لِيُرِيَكُمْ مّنْ ءَايَـٰتِهِ } " من " للتبعيض، أي ليريكم بعض آياته. قال يحيـى بن سلام وهو جري السفن في البحر بالريح. وقال ابن شجرة المراد بقوله { من آياته } ما يشاهدونه من قدرة الله. وقال النقاش ما يرزقهم الله في البحر { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } هذه الجملة تعليل لما قبلها، أي إن فيما ذكر لآيات عظيمة لكل من له صبر بليغ وشكر كثير، يصبر عن معاصي الله، ويشكر نعمه. { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ } شبه الموج لكبره بما يظلّ الإنسان من جبل أو سحاب أو غيرهما، وإنما شبه الموج وهو واحد بالظلل وهي جمع، لأن الموت يأتي شيئاً بعد شيء، ويركب بعضه بعضاً.

السابقالتالي
2 3