الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } * { هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ } * { خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } * { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

قوله { الۤـمۤ * تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ } قد تقدم الكلام على أمثال فاتحة هذه السورة ومحلها من الإعراب مستوفى فلا نعيده، وبيان مرجع الإشارة أيضاً، و { ٱلْحَكِيمُ } إما أن يكون بمعنى مفعل، أو بمعنى فاعل، أو بمعنى ذي الحكمة أو الحكيم قائله، و { هُدًى وَرَحْمَةً } منصوبان على الحال على قراءة الجمهور. قال الزجاج المعنى تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة، وقرأ حمزة " ورحمة " بالرفع على أنهما خبر مبتدأ محذوف، أي هو هدى ورحمة، ويجوز أن يكونا خبر تلك. والمحسن العامل للحسنات، أو من يعبد الله كأنه يراه كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح لما سأله جبريل عن الإحسان فقال " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ، ثم بين عمل المحسنين فقال { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } والموصول في محل جر على الوصف للمحسنين، أو في محل رفع، أو نصب على المدح أو القطع، وخص هذه العبادات الثلاث لأنها عمدة العبادات { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مّن رَّبّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } قد تقدم تفسير هذا في أوائل سورة البقرة، والمعنى هنا أن أولئك المتصفين بالإحسان وفعل تلك الطاعات التي هي أمهات العبادات هم على طريقة الهدى، وهم الفائزون بمطالبهم الظافرون بخيري الدارين. { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } محل { ومن الناس } الرفع على الابتداء كما تقدم بيانه في سورة البقرة، وخبره { من يشتري لهو الحديث } ، و " من " إما موصولة أو موصوفة، و { لهو الحديث } كل ما يلهي عن الخير من الغناء والملاهي والأحاديث المكذوبة وكل ما هو منكر، والإضافة بيانية. وقيل المراد شراء القينات المغنيات والمغنين، فيكون التقدير ومن يشتري أهل لهو الحديث. قال الحسن لهو الحديث المعازف والغناء. وروي عنه أنه قال هو الكفر والشرك. قال القرطبي إن أولى ما قيل في هذا الباب هو تفسير لهو الحديث بالغناء، قال وهو قول الصحابة والتابعين، واللام في { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } للتعليل.قرأ الجمهور بضم الياء من { ليضل } أي ليضل غيره عن طريق الهدى ومنهج الحق، وإذا أضل غيره فقد ضل في نفسه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وحميد، وورش وابن أبي إسحاق بفتح الياء. أي ليضل هو في نفسه. قال الزجاج من قرأ بضم الياء، فمعناه ليضل غيره، فإذا أضل غيره فقد ضل هو، ومن قرأ بفتح الياء فمعناه ليصير أمره إلى الضلال، وهو وإن لم يكن يشتري للضلالة، فإنه يصير أمره إلى ذلك، فأفاد هذا التعليل أنه إنما يستحق الذم من اشترى لهو الحديث لهذا المقصد، ويؤيد هذا سبب نزول الآية وسيأتي.

السابقالتالي
2 3 4