الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } * { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } * { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } * { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ }

قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ } كما أرسلناك إلى قومك { فَجَاءُوهُم بِٱلْبَيّنَاتِ } أي بالمعجزات، والحجج النيرات { فانتقمنا } أي فكفروا فَٱنتَقَمْنَا { مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } أي فعلوا الإجرام، وهي الآثام { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } هذا إخبار من الله سبحانه بأن نصره لعباده المؤمنين حق عليه، وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد، وفيه تشريف للمؤمنين ومزيد تكرمة لعباده الصالحين، ووقف بعض القراء على { حقاً } وجعل اسم كان ضميراً فيها وخبرها حقاً، أي وكان الانتقام حقاً. قال ابن عطية وهذا ضعيف، والصحيح أن نصر المؤمنين اسمها وحقاً خبرها وعلينا متعلق بـ { حقاً } ، أو بمحذوف هو صفة له. { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرّيَـٰحَ } قرأ حمزة والكسائي وابن كثير وابن محيصن " يرسل الريح " بالإفراد. وقرأ الباقون { الرياح } قال أبو عمرو كل ما كان بمعنى الرحمة فهو جمع، وما كان بمعنى العذاب فهو موحد، وهذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان ما سبق من أحوال الرياح، فتكون على هذا جملة { ولقد أرسلنا } إلى قوله { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين } معترضة { فَتُثِيرُ سَحَـٰباً } أي تزعجه من حيث هو { فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَاء كَيْفَ يَشَاء } تارة سائراً وتارة واقفاً، وتارة مطبقاً، وتارة غير مطبق، وتارة إلى مسافة بعيدة، وتارة إلى مسافة قريبة، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة وفي سورة النور { وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } تارة أخرى، أو يجعله بعد بسطه قطعاً متفرقة، والكسف جمع كسفة. والكسفة القطعة من السحاب. وقد تقدم تفسيره واختلاف القراءة فيه { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } الودق المطر، و { من خلاله } من وسطه. وقرأ أبو العالية والضحاك " يخرج من خلله ". { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ } أي بالمطر { مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } أي بلادهم وأرضهم { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } إذا هي الفجائية، أي فاجؤوا الاستبشار بمجيء المطر، والاستبشار الفرح. { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } أي من قبل أن ينزل عليهم المطر، وإن هي المخففة، وفيها ضمير شأن مقدر هو اسمها، أي وإن الشأن كانوا من قبل أن ينزل عليهم، وقوله { مِن قَبْلِهِ } تكرير للتأكيد، قاله الأخفش وأكثر النحويين كما حكاه عنهم النحاس. وقال قطرب إن الضمير في { قبله } راجع إلى المطر، أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر. وقيل المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع والمطر. وقيل من قبل أن ينزل عليهم من قبل السحاب، أي من قبل رؤيته، واختار هذا النحاس. وقيل الضمير عائد إلى الكسف. وقيل إلى الإرسال. وقيل إلى الاستبشار. والراجح الوجه الأول، وما بعده من هذه الوجوه كلها ففي غاية التكلف والتعسف، وخبر كان { لَمُبْلِسِينَ } أي آيسين أو بائسين.

السابقالتالي
2 3 4