الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } * { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } * { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

لما بيّن سبحانه كيفية التعظيم لأمر الله أشار إلى ما ينبغي من مواساة القرابة، وأهل الحاجات ممن بسط الله له في رزقه، فقال { فَـئَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته أسوته، أو لكل مكلف له مال وسع الله به عليه، وقدم الإحسان إلى القرابة لأن خير الصدقة ما كان على قريب، فهو صدقة مضاعفة وصلة رحم مرغب فيها، والمراد الإحسان إليهم بالصدقة والصلة والبر { وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } أي وآت المسكين وابن السبيل حقهما الذي يستحقانه. ووجه تخصيص الأصناف الثلاثة بالذكر أنهم أولى من سائر الأصناف بالإحسان، ولكون ذلك واجباً لهم على كل من له مال فاضل عن كفايته وكفاية من يعول. وقد اختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة؟ قيل هي منسوخة بآية المواريث. وقيل محكمة وللقريب في مال قريبه الغنيّ حقّ واحب، وبه قال مجاهد وقتادة. قال مجاهد لا تقبل صدقة من أحد، ورحمه محتاج. قال مقاتل حق المسكين أن يتصدّق عليه، وحق ابن السبيل الضيافة. وقيل المراد بالقربى قرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي والأوّل أصح، فإن حقهم مبين في كتاب الله عزّ وجلّ في قولهفَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ } الأنفال 41 وقال الحسن إن الأمر في إيتاء ذي القربى للندب { ذَلِكَ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } أي ذلك الإيتاء أفضل من الإمساك لمن يريد التقرّب إلى الله سبحانه { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي الفائزون بمطلوبهم حيث أنفقوا لوجه الله امتثالاً لأمره. { وَمَا ءَاتَيْتُمْ مّن رِباً } قرأ الجمهور { آتيتم } بالمدّ بمعنى أعطيتم، وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير بالقصر بمعنى ما فعلتم، وأجمعوا على القراءة بالمدّ في قوله { وما آتيتم من زكاة } وأصل الربى الزيادة، وقراءة القصر تؤول إلى قراءة المدّ لأن معناها ما فعلتم على وجه الإعطاء، كما تقول أتيت خطأ وأتيت صواباً والمعنى في الآية ما أعطيتم من زيادة خالية عن العوض { لّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } أي ليزيد ويزكو في أموالهم { فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } أي لا يبارك الله فيه. قال السديّ الربا في هذا الموضع الهدية يهديها الرجل لأخيه يطلب المكافأة لأن ذلك لا يربو عند الله، لا يؤجر عليه صاحبه، ولا إثم عليه، وهكذا قال قتادة والضحاك. قال الواحدي وهذا قول جماعة المفسرين. قال الزجاج يعني دفع الإنسان الشيء ليعوّض أكثر منه وذلك ليس بحرام، ولكنه لا ثواب فيه لأن الذي يهبه يستدعي به ما هو أكثر منه. وقال الشعبي معنى الآية أن ما خدم به الإنسان أحداً، لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجزي به الخدمة لا يربو عند الله.

السابقالتالي
2 3 4 5