الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } * { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً } قد تقدّم تحقيق معنى المثل، و " من " في { مّنْ أَنفُسِكُمْ } لابتداء الغاية وهي ومجرورها في محلّ نصب صفة لمثلاً، أي مثلاً منتزعاً، ومأخوذاً من أنفسكم، فإنها أقرب شيء منكم، وأبين من غيرها عندكم، فإذا ضرب لكم المثل بها في بطلان الشرك كان أظهر دلالة وأعظم وضوحاً. ثم بين المثل المذكور فقال { هَلْ لَّكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ مّن شُرَكَاء فِى مَا رَزَقْنَـٰكُمْ }. «من» في { مما ملكت } للتبعيض، وفي { من شركاء } زائدة للتأكيد، والمعنى هل لكم شركاء فيما رزقناكم كائنون من النوع الذي ملكت أيمانكم؟ وهم العبيد والإماء، والاستفهام للإنكار، وجملة { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء } جواب للاستفهام الذي بمعنى النفي، ومحققه لمعنى الشركة بينهم وبين العبيد والإماء المملوكين لهم في أموالهم، أي هل ترضون لأنفسكم - والحال أن عبيدكم وإماءكم أمثالكم في البشرية - أن يساووكم في التصرّف بما رزقناكم من الأموال، ويشاركوكم فيها من غير فرق بينكم وبينهم؟ { تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } الكاف نعت مصدر محذوف، أي تخافونهم خيفة كخيفتكم أنفسكم، أي كما تخافون الأحرار المشابهين لكم في الحرية وملك الأموال وجواز التصرف، والمقصود نفي الأشياء الثلاثة الشركة بينهم وبين المملوكين، والاستواء معهم، وخوفهم إياهم. وليس المراد ثبوت الشركة ونفي الاستواء والخوف كما قيل في قولهم ما تأتينا فتحدّثنا. والمراد إقامة الحجة على المشركين فإنهم لا بدّ أن يقولوا لا نرضى بذلك، فيقال لهم فكيف تنزّهون أنفسكم عن مشاركة المملوكين لكم وهم أمثالكم في البشرية، وتجعلون عبيد الله شركاء له؟ فإذا بطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة بطلت الشركة بين الله وبين أحد من خلقه، والخلق كلهم عبيد الله تعالى، ولم يبق إلاّ أنه الربّ وحده لا شريك له. قرأ الجمهور { أنفسكم } بالنصب على أنه معمول المصدر المضاف إلى فاعله، وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على إضافة المصدر إلى مفعوله { كَذٰلِكَ نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ } تفصيلاً واضحاً وبياناً جلياً { لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } لأنهم الذين ينتفعون بالآيات التنزيلية والتكوينية باستعمال عقولهم في تدبرها والتفكر فيها. ثم أضرب سبحانه عن مخاطبة المشركين وإرشادهم إلى الحق بما ضربه لهم من المثل، فقال { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي لم يعقلوا الآيات، بل اتبعوا أهواءهم الزائغة، وآراءهم الفاسدة الزائفة، ومحل { بغير علم } النصب على الحال، أي جاهلين بأنهم على ضلالة { فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } أي لا أحد يقدر على هدايته لأن الرشاد والهداية بتقدير الله وإرادته { وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } أي ما لهؤلاء الذين أضلهم الله من ناصرين ينصرونهم، ويحولون بينهم وبين عذاب الله سبحانه.

السابقالتالي
2 3 4 5