الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

{ الكتاب } هو القرآن، فاللام للعهد، وقدم الظرف، وهو { عليك } لما يفيده من الاختصاص. وقوله { مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ } الموافق لقواعد العربية أن يكون الظرف خبراً مقدّماً، والأولى بالمعنى أن يكون مبتدأ تقديره من الكتاب آيات بينات، على نحو ما تقدّم في قولهوَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } البقرة 8 وإنما كان أولى لأن المقصود انقسام الكتاب إلى القسمين المذكورين لا مجرّد الإخبار عنهما بأنهما من الكتاب، والجملة حالية في محل نصب، أو مستأنفة لا محل لها. وقد اختلف العلماء في تفسير المحكمات، والمتشابهات على أقوال فقيل إن المحكم ما عرف تأويله، وفهم معناه، وتفسيره، والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل ومن القائلين بهذا جابر بن عبد الله، والشعبي، وسفيان الثوري، قالوا وذلك بجر الحروف المقطعة في أوائل السور. وقيل المحكم ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، والمتشابه ما يحتمل وجوهاً، فإذا ردّت إلى وجه واحد، وأبطل الباقي صار المتشابه محكماً، وقيل إن المحكم ناسخه، وحرامه، وحلاله، وفرائضه، وما نؤمن به، ونعمل عليه، والمتشابه منسوخه، وأمثاله، وأقسامه وما نؤمن به، ولا نعمل به. روى هذا عن ابن عباس، وقيل المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ، روي عن ابن مسعود، وقتادة، والربيع، والضحاك وقيل المحكم الذي ليس فيه تصريف، ولا تحريف عما وضع له، والمتشابه ما فيه تصريف، وتحريف، وتأويل قاله مجاهد، وابن إسحاق. قال ابن عطية وهذا أحسن الأقوال، وقيل المحكم ما كان قائماً بنفسه لا يحتاج إلى أن يرجع فيه إلى غيره، والمتشابه ما يرجع فيه إلى غيره. قال النحاس وهذا أحسن ما قيل في المحكمات، والمتشابهات. قال القرطبي ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن عطية، وهو الجاري على وضع اللسان، وذلك أن المحكم اسم مفعول من أحكم، والإحكام الإتقان، ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه، ولا تردّد، إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته، وإتقان تركيبها، ومتى اختلّ أحد الأمرين جاء التشابه، والإشكال. وقال ابن خويز منداد للمتشابه وجوه ما اختلف فيه العلماء أيّ الآيتين نسخت الأخرى، كما في الحامل المتوفى عنها زوجها، فإن من الصحابة من قال إن آية وضع الحمل نسخت آية الأربعة الأشهر، والعشر، ومنهم من قال بالعكس. وكاختلافهم في الوصية للوارث، وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن يقدّم إذا لم يعرف النسخ، ولم توجد شرائطه، وكتعارض الأخبار، وتعارض الأقيسة، هذا معنى كلامه. والأولى أن يقال إن المحكم هو الواضح المعنى الظاهر الدلالة، إما باعتبار نفسه، أو باعتبار غيره، والمتشابه ما لا يتضح معناه، أو لا تظهر دلالته لا باعتبار نفسه، ولا باعتبار غيره. وإذا عرفت هذا عرفت أن هذا الاختلاف الذي قدّمناه ليس كما ينبغي، وذلك لأن أهل كل قول عرفوا المحكم ببعض صفاته، وعرفوا المتشابه بما يقابلها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10