الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

قوله { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا } هذا الاستفهام معناه الجحد، أي لا يهدي الله، ونظيره قوله تعالىكَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ } التوبة 7 أي لا عهد لهم، ومثله قول الشاعر
كَيْفَ نَومْي عَلى الفِراش ولما تَشْمل الشَامَ غَارة شَعْواءُ   
أي لا نوم لي. ومعنى الآية لا يهدي الله قوماً إلى الحق كفروا بعد إيمانهم، وبعدما شهدوا أن الرسول حق، وبعد ما جاءتهم البينات من كتاب الله سبحانه، ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } جملة حالية، أي كيف يهدي المرتدّين، والحال أنه لا يهدي من حصل منهم مجرد الظلم لأنفسهم، ومنهم الباقون على الكفر، ولا ريب أن ذنب المرتدّ أشدّ من ذنب من هو باق على الكفر لأن المرتدّ قد عرف الحق، ثم أعرض عناداً، وتمرّداً. قوله { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى القوم المتصفين بتلك الصفات السابقة، وهو مبتدأ خبره الجملة التي بعده. وقد تقدّم تفسير اللعن. وقوله { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } معناه يؤخرون ويمهلون. ثم استثنى التائبين فقال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد الارتداد { وَأَصْلَحُواْ } بالإسلام ما كان قد أفسدوه من دينهم بالردّة. وفيه دليل على قبول توبة المرتد إذا رجع إلى الإسلام مخلصاً، ولا خلاف في ذلك فيما أحفظ. قوله { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً }. قال قتادة، وعطاء الخراساني، والحسن نزلت في اليهود، والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته، وصفته { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } بإقامتهم على كفرهم، وقيل ازدادوا كفراً بالذنوب التي اكتسبوها، ورجحه ابن جرير الطبري، وجعلها في اليهود خاصة. وقد استشكل جماعة من المفسرين قوله تعالى { لن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } مع كون التوبة مقبولة، كما في الآية الأولى، وكما في قوله تعالىوَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } الشورى 25 وغير ذلك، فقيل المعنى لن تقبل توبتهم بعد الموت. قال النحاس وهذا قول حسن، كما قال تعالىوَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَـٰتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنّى تُبْتُ ٱلآنَ } النساء 18 وبه قال الحسن، وقتادة، وعطاء، ومنه الحديث " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " وقيل المعنى لمن تقبل توبتهم التي كانوا عليها قبل أن يكفروا لأن الكفر أحبطها، وقيل لمن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر، والأولى أن يحمل عدم قبولهم التوبة في هذه الآية على من مات كافراً غير تائب، فكأنه عبر عن الموت على الكفر بعدم قبول التوبة، وتكون الآية المذكورة بعد هذه الآية، وهي قوله { إِن ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } في حكم البيان لها.

السابقالتالي
2 3