الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

الطائفة من أهل الكتاب هم يهود بني النضير، وقريظة، وبني قينقاع حين دعوا جماعة من المسلمين إلى دينهم، وسيأتي. وقيل هم جميع أهل الكتاب، فتكون " من " لبيان الجنس. وقوله { وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ } جملة حالية للدلالة على ثبوت قدم المؤمنين في الإيمان، فلا يعود وبال من أراد فتنتهم إلا عليه. والمراد بآيات الله ما في كتبهم من دلائل نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم { وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } ما في كتبكم من ذلك، أو تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء الذين تقرّون بنبوّتهم، أو المراد كتم كل الآيات عناداً، وأنتم تعلمون أنها حق. ولبس الحق بالباطل خلطه بما يتعمدونه من التحريف { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } جملة حالية. قوله { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } هم رؤساؤهم، وأشرافهم، قالوا للسفلة من قومهم هذه المقالة. ووجه النهار أوّله، وسمي وجهاً لأنه أحسنه قال
وتُضِىءُ في وَجْهِ النَّهار مُنِيرةً كجُمَانَة البحرى سُلَّ نظامُها   
وهو منصوب على الظرف، أمروهم بذلك لإدخال الشك على المؤمنين، لكونهم يعتقدون أن أهل الكتاب لديهم علم، فإذا كفروا بعد الإيمان وقع الريب لغيرهم، واعتراه الشك، وهم لا يعلمون أن الله قد ثبت قلوب المؤمنين، ومكن أقدامهم، فلا تزلزلهم أراجيف أعداء الله، ولا تحركهم ريح المعاندين. وقوله { وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } هذا من كلام اليهود بعضهم لبعض، أي قال ذلك الرؤساء للسلفة لا تصدّقوا تصديقاً صحيحاً إلا لمن تبع دينكم من أهل الملة التي أنتم عليها، وأما غيرهم ممن قد أسلم، فأظهروا لهم ذلك خداعاً { وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُواْ ءاخِرَهُ } ليفتتنوا، ويكون قوله { أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ } على هذا متعلقاً بمحذوف، أي فعلتم ذلك لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يعني أن ما بكم من الحسد، والبغي أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم، والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم. وقوله { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ } معطوف على { أن يؤتى } ، أي لا تؤمنوا إيماناً صحيحاً، وتقرّوا بما في صدوركم إقراراً صادقاً لغير من تبع دينكم، فعلتم ذلك، ودبرتموه أن المسلمين يحاجوكم يوم القيامة عند الله بالحق. وقوله { إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } جملة اعتراضية. وقال الأخفش المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ولا تصدقوا أن يحاجوكم، فذهب إلى أنه معطوف. وقيل المراد لا تؤمنوا وجه النهار، وتكفروا آخره إلا لمن تبع دينكم، أي لمن دخل في الإسلام، وكان من أهل دينكم قبل إسلامه لأن إسلام من كان منهم هو الذي قتلهم غيظاً وأماتهم حسرة، وأسفاً، ويكون قوله { أَن يُؤْتَىٰ } على هذا متعلقاً بمحذوف كالأوّل.

السابقالتالي
2 3 4