الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } * { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } * { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ }

قوله { فَلَمَّا أَحَسَّ } أي علم ووجد قاله الزجاج. وقال أبو عبيدة معنى أحسّ عرف. وأصل ذلك وجود الشيء بالحاسة، والإحساس العلم بالشيء. قال الله تعالىهَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ } مريم 98. والمراد بالإحساس هنا الإدراك القويّ الجاري مجرى المشاهدة. وبالكفر إصرارهم عليه، وقيل سمع منهم كلمة الكفر. وقال الفراء أرادوا قتله. وعلى هذا، فمعنى الآية فلما أدرك منهم عيسى إرادة قتله التي هي كفر قال من أنصاري إلى الله.الأنصار جمع نصير. وقوله { إِلَى ٱللَّهِ } متعلق بمحذوف وقع حالاً، أي متوجهاً إلى الله، أو ملتجئاً إليه، أو ذاهباً إليه، وقيل إلى بمعنى مع كقوله تعالىوَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ } النساء 2 وقيل المعنى من أنصاري في السبيل إلى الله، وقيل المعنى من يضم نصرته إلى نصرة الله. والحواريون جمع حواري، وحواريّ الرجل صفوته، وخلاصته، وهو مأخوذ من الحور، وهو البياض عند أهل اللغة، حوّرت الثياب بيضتها، والحواري من الطعام ما حوّر أي بيض، والحواري أيضاً الناصر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " لكل نبيّ حواريّ، وحواريي الزبير " وهو في البخاري، وغيره. وقد اختلف في سبب تسميتهم بذلك، فقيل لبياض ثيابهم. وقيل لخلوص نياتهم. وقيل لأنهم خاصة الأنبياء، وكانوا اثني عشر رجلاً، ومعنى أنصار الله أنصار دينه ورسله. وقوله { آمنا بالله } استئناف جار مجرى العلة لما قبله، فإن الإيمان يبعث على النصرة. قوله { وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أي اشهد لنا يوم القيامة بأنا مخلصون لإيماننا منقادون لما تريد منا. ومعنى { بِمَا أَنزَلْتُ } ما أنزله الله سبحانه في كتبه. والرسول عيسى، وحذف المتعلق مشعر بالتعميم، أي اتبعناه في كل ما يأتي به، فاكتبنا مع الشاهدين لك بالوحدانية، ولرسولك بالرسالة. أو اكتبنا مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم. وقيل مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قوله { وَمَكَرُواْ } أي الذي أحسّ عيسى منهم الكفر، وهم كفار بني إسرائيل. ومكر الله استدراجه للعباد من حيث لا يعلمون. قاله الفراء، وغيره. وقال الزجاج مكر الله مجازاتهم على مكرهم، فسمى الجزاء باسم الابتداء، كقوله تعالىٱللَّهُ يَسْتَهْزِىء بِهِمْ } البقرة 15وَهُوَ خَادِعُهُمْ } النساء 142 وأصل المكر في اللغة الاغتيال، والخدع حكاه ابن فارس، وعلى هذا، فلا يسند إلى الله سبحانه إلا على طريق المشاكلة. وقيل مكر الله هنا إلقاء شبه عيسى على غيره، ورفع عيسى إليه { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } أي أقواهم مكراً، وأنفذهم كيداً، وأقواهم على إيصال الضرر بمن يريد إيصاله به من حيث لا يحتسب. قوله { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى } العامل في إذ مكروا، أو قوله { خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } أو فعل مضمر تقديره وقع ذلك. وقال الفراء إن في الكلام تقديماً، وتأخيراً تقديره إني رافعك، ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنزالك من السماء.

السابقالتالي
2 3 4