الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } * { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } * { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }

قوله { إِذْ قَالَتِ } بدل من قوله «وإذ قالت» المذكور قبله، وما بينهما اعتراض، وقيل بدل من «إذ يختصمون» وقيل منصوب بفعل مقدر. وقيل بقوله { يَخْتَصِمُونَ } وقيل بقوله { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ }. والمسيح اختلف فيه مماذا أخذ؟ فقيل من المسح لأنه مسح الأرض، أي ذهب فيها، فلم يستكن بكن، وقيل إنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا بريء، فسمي مسيحاً، فهو على هذين فعيل بمعنى فاعل، وقيل لأنه كان يمسح بالدهن الذي كانت الأنبياء تمسح به، وقيل لأنه كان ممسوح الأخمصين، وقيل لأن الجمال مسحه، وقيل لأنه مسح بالتطهير من الذنوب، وهو على هذه الأربعة الأقوال فعيل بمعنى مفعول. وقال أبو الهيتم المسيح ضد المسيخ بالخاء المعجمة. وقال ابن الأعرابي المسيح الصديق. وقال أبو عبيد أصله بالعبرانية مشيخاً بالمعجمتين فعرّب، كما عرّب موشى بموسى. وأما الدجال، فسمي مسيحاً لأنه ممسوح إحدى العينين، وقيل لأنه يمسح الأرض أي يطوف بلدانها إلا مكة، والمدينة وبيت المقدس. وقوله { عِيسَى } عطف بيان، أو بدل، وهو اسم أعجمي، وقيل هو عربي مشتق من عاسه يعوسه إذا ساسه. قال في الكشاف هو معرّب من أيشوع. انتهى. والذي رأيناه في الإنجيل في مواضع أن اسمه يشوع بدون همزة، وإنما قيل ابن مريم مع كون الخطاب معها تنبيهاً على أنه يولد من غير أب، فنسب إلى أمه. والوجيه ذو الوجاهة وهي القوّة والمنعة، ووجاهته في الدنيا النبوّة، وفي الآخرة الشفاعة، وعلوّ الدرجة، وهو منتصب على الحال من كلمة، وإن كانت نكرة، فهي موصوفة، وكذلك قوله { وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } في محل نصب على الحال. قال الأخفش هو معطوف على { وجيها }. والمهد مضجع الصبيّ في رضاعه، ومهدت الأمر هيأته، ووطأته. والكهل هو من كان بين سن الشباب، والشيخوخة، أي يكلم الناس حال كونه رضيعاً في المهد، وحال كونه كهلاً بالوحي، والرسالة، قاله الزجاج. وقال الأخفش، والفراء إن كهلاً معطوف على وجيهاً. قال الأخفش { وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } عطف على وجيهاً، أي هو من العباد الصالحين. قوله { أَنَّىٰ يَكُونُ لِى وَلَدٌ } أي كيف يكون على طريقة الاستبعاد العادي { وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ } جملة حالية، أي والحال أنه على حالة منافية للحالة المعتادة من كون له أب { قَالَ كَذٰلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء } هو من كلام الله سبحانه. وأصل القضاء الأحكام، وقد تقدّم، وهو هنا الإرادة، أي إذا أراد أمراً من الأمور { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } من غير عمل ولا مزاولة، وهو تمثيل لكمال قدرته. قوله { وَيُعَلّمُهُ ٱلْكِتَـٰبَ } قيل هو معطوف على { يُبَشّرُكِ } أي إن الله يبشرك وإنّ الله يعلمه، وقيل على { يَخْلُقُ } أي وكذلك يعلمه الله، أو كلام مبتدأ سيق تطييباً لقلبها.

السابقالتالي
2 3 4