الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } * { وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } * { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }

قوله { هُنَالِكَ } ظرف يستعمل للزمان والمكان، وأصله للمكان، وقيل إنه للزمان خاصة، وهناك للمكان، وقيل يجوز استعمال كل واحد منهما مكان الآخر، واللام للدلالة على البعد، والكاف للخطاب. والمعنى أنه دعا في ذلك المكان الذي هو قائم فيه عند مريم، أو في ذلك الزمان أن يهب الله له ذرية طيبة، والذي بعثه على ذلك ما رآه من ولادة حنة لمريم، وقد كانت عاقراً، فحصل له رجاء الولد، وإن كان كبيراً، وامرأته عاقراً، أو بعثه على ذلك ما رآه من فاكهة الشتاء في الصيف، والصيف في الشتاء عند مريم لأن من أوجد ذلك في غير وقته يقدر على إيجاد الولد من العاقر، وعلى هذا يكون هذا الكلام قصة مستأنفة سيقت في غضون قصة مريم لما بينهما من الارتباط. والذرية النسل، يكون للواحد، ويكون للجمع، ويدل على أنها هنا للواحد. قولهفَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } مريم 5 ولم يقل أولياء، وتأنيث طِّيبة لكون لفظ الذرية مؤنثاً. قوله { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } قرأ حمزة، والكسائي «فناداه»، وبذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود. وقرأ الباقون «فنادته الملائكة»، قيل المراد هنا جبريل، والتعبير بلفظ الجمع عن الواحد جائز في العربية، ومنه " ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ " آل عمران 173 وقيل ناداه جميع الملائكة، وهو الظاهر من إسناد الفعل إلى الجمع والمعنى الحقيقي مقدّم، فلا يصار إلى المجاز إلا لقرينة. قوله { وَهُوَ قَائِمٌ } جملة حالية، و { يُصَلّى فِى ٱلْمِحْرَابِ } صفة لقوله { قَائِمٌ } أو خبر ثان لقوله { وَهُوَ }. قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكِ } قريء بفتح أنّ، والتقدير بأن الله، وقريء بكسرها على تقدير القول. وقرأ أهل المدينة " يبشرك " بالتشديد. وقرأ حمزة بالتخفيف. وقرأ حميد بن قيس المكي بكسر الشين، وضم حرف المضارعة. قال الأخفش هي ثلاث لغات بمعنى واحد، والقراءة الأولى هي التي وردت كثيراً في القرآن، ومنهفَبَشِّرْ عِبَادِ } الزمر 17فَبَشّرْهُم بِمَغْفِرَةٍ } يۤس 11فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ } هود 71قَالُواْ بَشَّرْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ } الحجر 55 وهي قراءة الجمهور. والثانية لغة أهل تهامة، وبها قرأ أيضاً عبد الله بن مسعود، والثالثة من أبشر يبشر إبشاراً. ويحيـى ممتنع إما لكونه أعجمياً أو لكون فيه وزن الفعل، كيعمر مع العلمية. قال القرطبي حاكياً عن النقاش كان اسمه في الكتاب الأول حنا. انتهى. والذي رأيناه في مواضع من الإنجيل أنه يوحنا. قيل سمي بذلك لأن الله أحياه بالإيمان، والنبوّة. وقيل لأن الله أحيا به الناس بالهدى. والمراد هنا التبشير بولادته، أي يبشرك بولادة يحيـى. وقوله { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } أي بعيسى عليه السلام، وسمي كلمة الله لأنه كان بقوله سبحانه " كن " ، وقيل سمي كلمة الله لأن الناس يهتدون به، كما يهتدون بكلام الله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6