الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله { قُلِ ٱللَّهُمَّ }. قال الخليل، وسيبويه، وجميع البصرين إن أصل اللهم يا الله، فلما استعلمت الكلمة دون حرف النداء الذي هو «يا» جعلوا بدله هذه الميم المشددة، فجاءوا بحرفين، وهما الميمان عوضاً من حرفين، وهما الياء والألف، والضمة في الهاء هي ضمة الاسم المنادي المفرد. وذهب الفراء، والكوفيون إلى أن الأصل في اللهم يا ألله أمنا بخير، فحذف، وخلط الكلمتان، والضمة التي في الهاء هي الضمة التي كانت في أمنا لما حذفت الهمزة انتقلت الحركة. قال النحاس هذا عند البصريين من الخطأ العظيم، والقول في هذا ما قاله الخليل، وسيبويه، قال الكوفين، وقد يدخل حرف النداء على اللهم، وأنشدوا في ذلك قول الراجز
غفرت أو عذبت يا اللهما   
وقول الآخر
وَمَا عَلَيْكِ أنْ تَقُولي كُلَّمَا سَبَّحتِ أوْ هللتَ يَاللَّهُمـا   
وقول الآخر
إني إذَا مَـا حَدَث ألَمَّـا أقَولُ يَاللَّهُـم ياللهـما   
قالوا ولو كان الميم عوضاً من حرف النداء لما اجتمعتا. قال الزجاج وهذا شاذ لا يعرف قائله. قال النضر بن شميل من قال اللهم، فقد دعا الله بجميع أسمائه. قوله { مَـٰلِكَ ٱلْمُلْكِ } أي مالك جنس الملك على الإطلاق، ومالك منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان، أي يا مالك الملك، ولا يجوز عنده أن يكون، وصفاً لقوله { ٱللَّهُمَّ } لأن الميم عنده تمنع الوصفية. وقال محمد بن يزيد المبرد، وإبراهيم بن السري الزجاج إنه صفة لاسم الله تعالى، وكذلك قوله تعالىقُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } الزمر 46. قال أبو علي الفارسي وهو مذهب المبرد، وما قاله سيبويه أصوب، وأبين، وذلك لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت، والأصوات لا توصف نحو غاق، وما أشبهه. قال الزجاج والمعنى مالك العباد، وما ملكوا. وقيل المعنى مالك الدنيا، والآخرة، وقيل الملك هنا النبوة، وقيل الغلبة، وقيل المال والعبيد، والظاهر شموله لما يصدق عليه اسم الملك من غير تخصيص { تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَاء } أي من تشاء إيتاءه إياه { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء } نزعه منه. والمراد بما يؤتيه من الملك، وينزعه هو نوع من أنواع ذلك الملك العام. قوله { وَتُعِزُّ مَن تَشَاء } أي في الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما، يقال عزّ إذا غلب، ومنهوَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ } صۤ 23. وقوله { وَتُذِلُّ مَن تَشَاء } أي في الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما، يقال ذلّ يذلّ ذلاً إذا غلب وقهر. وقوله { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ } تقديم الخبر للتخصيص، أي بيدك الخير لا بيد غيرك، وذكر الخير دون الشرّ لأن الخير بفضل محض بخلاف الشرّ، فإنه يكون جزاء لعمل وصل إليه. وقيل لأن كلّ شرّ من حيث كونه من قضائه سبحانه هو متضمن للخير، فأفعاله كلها خير، وقيل إنه حذف، كما حذف في قوله

السابقالتالي
2 3