الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله { بآيات الله } ظاهره عدم الفرق بين آية وآية { وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ } يعني اليهود قتلوا الأنبياء { وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ } أي بالعدل، وهم الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، قال المبرد كان ناس من بني إسرائيل جاءهم النبيون، فدعوهم إلى الله، فقتلوهم، فقام أناس من بعدهم من المؤمنين، فأمروهم بالإسلام، فقتلوهم. ففيهم نزلت الآية. وقوله { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } خبر { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ } الخ، ودخلته الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط، وذهب بعض أهل النحو إلى أن الخبر قوله { أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } وقالوا إن الفاء لا تدخل في خبر إن، وإن تضمن اسمها معنى الشرط لأنه قد نسخ بدخول " إن " عليه، ومنهم سيبويه، والأخفش، وذهب غيرهما إلى أن ما يتضمنه المبتدأ من معنى الشرط لا ينسخ بدخول " إن " عليه، ومثل المكسورة المفتوحة، ومنه قوله تعالىوَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } الأنفال 41. وقوله { حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } قد تقدم تفسير الإحباط، ومعنى كونها حبطت في الدنيا، والآخرة أنه لم يبق لحسناتهم أثر في الدنيا، حتى يعاملوا فيها معاملة أهل الحسنات، بل عوملوا معاملة أهل السيئات، فلعنوا وحل بهم الخزي، والصغار، ولهم في الآخرة عذاب النار. قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } فيه تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكل من تصح منه الرؤية من حال هؤلاء، وهم أحبار اليهود. والكتاب التوراة، وتنكير النصيب للتعظيم، أي نصيباً عظيماً، كما يفيده مقام المبالغة، ومن قال إن التنكير للتحقير، لم يصب، فلم ينتفعوا بذلك، وذلك بأنهم يدعون إلى كتاب الله الذي أوتوا نصيباً منه، وهو التوراة { لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مّنْهُمْ } والحال أنهم معرضون عن الإجابة إلى ما دعوا إليه مع علمهم به، واعترافهم بوجوب الإجابة إليه، و { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما مر من التولي، والإعراض بسبب { أَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُودٰتٍ } وهي مقدار عبادتهم العجل. وقد تقدم تفسير ذلك { وَغَرَّهُمْ فِى دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } من الأكاذيب التي من جملتها هذا القول. قوله { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَـٰهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } هو ردّ عليهم، وإبطال لما غرهم من الأكاذيب، أي فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه، وهو يوم الجزاء الذي لا يرتاب مرتاب في وقوعه، فإنهم يقعون لا محالة، ويعجزون عن دفعه بالحيل، والأكاذيب { وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } أي جزاء ما كسبت على حذف المضاف { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بزيادة، ولا نقص. والمراد كل الناس المدلول عليهم بكل نفس.

السابقالتالي
2 3