الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } * { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله { لاَ يَغُرَّنَّكَ } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. والمراد تثبيته على ما هو عليه، كقوله تعالىيَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ } النساء 136 أو خطاب لكل أحد، وهذه الآية متضمنة لقبح حال الكفار بعد ذكر حسن حال المؤمنين والمعنى لا يغرنك ما هم فيه من تقلبهم في البلاد بالأسفار للتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم، فهو متاع قليل يتمتعون به في هذه الدار، ثم مصيرهم إلى جهنم، فقوله { مَتَـٰعٌ } خبر مبتدأ محذوف، أي هو متاع قليل لا اعتداد به بالنسبة إلى ثواب الله سبحانه { وَمَأْوَاهُمُ } أي ما يأوون إليه. والتقلب في البلاد الاضطراب في الأسفار إلى الأمكنة، ومثله قوله تعالىفَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ } غافر 4 والمتاع ما يعجل الانتفاع به، وسماه قليلاً لأنه فانٍ وكل فانٍ، وإن كان كثيراً، فهو قليل. وقوله { وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } ما مهدوا لأنفسهم في جهنم بكفرهم، أو ما مهد الله لهم من النار، فالمخصوص بالذم محذوف، وهو هذا المقدّر. قوله { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } هو استدراك مما تقدّمه لأن معناه معنى النفي كأنه قال ليس لهم في تقلبهم في البلاد كثير انتفاع { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } لهم الانتفاع الكثير، والخلد الدائم. وقرأ يزيد بن القعقاع " لكن " بتشديد النون. قوله { نُزُلاً } مصدر مؤكد عند البصريين، كما تقدّم في { ثواباً } وعند الكسائي، والفراء مثل ما قالا في { ثواباً } ، والنزل ما يهيأ للنزيل، والجمع أنزال، قال الهروي { نُزُلاٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي ثواباً من عند الله { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } مما أعدّه لمن أطاعه { خَيْرٌ لّلأبْرَارِ } مما يحصل للكفار من الربح في الأسفار فإنه متاع قليل عن قريب يزول. قوله { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } هذه الجملة سيقت لبيان أن بعض أهل الكتاب لهم حظّ من الدين، وليسوا كسائرهم في فضائحهم التي حكاها الله عنهم فيما سبق، وفيما سيأتي، فإن هذا البعض يجمعون بين الإيمان بالله، وبما أنزل الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزله على أنبيائهم حال كونهم { خَـٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ } أي يستبدلون { بآيات الله ثمناً قليلاً } بالتحريف، والتبديل، كما يفعله سائرهم، بل يحكون كتب الله سبحانه، كما هي، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى هذه الطائفة الصالحة من أهل الكتاب من حيث اتصافهم بهذه الصفات الحميدة { لَهُمْ أَجْرُهُمْ } الذي وعد الله سبحانه به بقولهأُوْلَـئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } القصص 54 وتقديم الخبر يفيد اختصاص ذلك الأجر بهم. وقوله { عِندَ رَبّهِمْ } في محل نصب على الحال. قوله { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ } الخ. هذه الآية العاشرة من قوله سبحانه

السابقالتالي
2 3