الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } * { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

قوله { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ والأرض } هذه جملة مستأنفة لتقرير اختصاصه سبحانه بما ذكره فيها. والمراد ذات السموات، والأرض، وصفاتهما { وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي تعاقبهما، وكون كل واحد منهما يخلف الآخر، وكون زيادة أحدهما في نقصان الآخر، وتفاوتهما طولاً، وقصراً، وحراً، وبرداً وغير ذلك { لآيَاتٍ } أي دلالات واضحة، وبراهين بينة تدل على الخالق سبحانه. وقد تقدم تفسير بعض ما هاهنا في سورة البقرة. والمراد بأولي الألباب أهل العقول الصحيحة الخالصة، عن شوائب النقص، فإن مجرد التفكير فيما قصه الله في هذه الآية يكفي العاقل، ويوصله إلى الإيمان الذي لا تزلزله الشبه، ولا تدفعه التشكيكات. قوله { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } الموصول نعت لأولي الألباب، وقيل هو مفصول عنه خبر مبتدأ محذوف، أو منصوب على المدح. والمراد بالذكر هنا ذكره سبحانه في هذه الأحوال من غير فرق بين حال الصلاة، وغيرها. وذهب جماعة من المفسرين إلى أن الذكر هنا عبارة عن الصلاة، أي لا يضيعونها في حال من الأحوال، فيصلونها قياماً مع عدم العذر، وقعوداً، وعلى جنوبهم مع العذر. قوله { وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضِ } معطوف على قوله { يَذَّكَّرُونَ } وقيل إنه معطوف على الحال، أعني { قِيَـٰماً وَقُعُوداً } وقيل إنه منقطع عن الأوّل، والمعنى أنهم يتفكرون في بديع صنعهما، وإتقانهما مع عظم أجرامها، فإن هذا الفكر إذا كان صادقاً، أوصلهم إلى الإيمان بالله سبحانه. قوله { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً } هو على تقدير القول، أي يقولون ما خلقت هذا عبثاً، ولهواً، بل خلقته دليلاً على حكمتك، وقدرتك. والباطل الزائل الذاهب، ومنه قول لبيد
ألا كل شيء ما خلا الله باطل   
وهو منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي خلقاً باطلاً، وقيل منصوب بنزع الخافض، وقيل هو مفعول ثان، وخلق بمعنى جعل، أو منصوب على الحال، والإشارة بقوله { هَـٰذَا } إلى السموات والأرض، أو إلى الخلق على أنه بمعنى المخلوق. قوله { سُبْحَـٰنَكَ } أي تنزيهاً لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها أن يكون خلقك لهذه المخلوقات باطلاً. وقوله { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } الفاء لترتيب هذا الدعاء على ما قبله. وقوله { رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } تأكيد لما تقدمه من استدعاء الوقاية من النار منه سبحانه، وبيان للسبب الذي لأجله دعاه عباده بأن يقيهم عذاب النار، وهو أن من أدخله النار، فقد أخزاه، أي أذله، وأهانه. وقال المفضل معنى أخزيته أهلكته، وأنشد
أخْزَى الإلۤهُ بني الصَلِيب عُنَيْزة واللابِسيـن مَلابِـس الرهْبَـانِ   
وقيل معناه فضحته، وأبعدته، يقال أخزاه الله أبعده ومقته، والاسم الخزي.

السابقالتالي
2 3 4