الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } * { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } * { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله { ذَائِقَةُ } من الذوق، ومنه قول أمية بن أبي الصلت
مَن لَمْ يَمُت غَبْطة يَمُتْ هَرَماً المَوت كَأسٌ والمرءُ ذَائِقُها   
وهذه الآية تتضمن الوعد، والوعيد للمصدق، والمكذب بعد إخباره، عن الباخلين القائلين { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء }. وقرأ الأعمش، ويحيـى بن وثاب، وابن أبي إسحاق { ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } بالتنوين ونصب الموت. وقرأ الجمهور بالإضافة. قوله { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أجر المؤمن الثواب، وأجر الكافر العقاب، أي أن توفية الأجور، وتكميلها إنما تكون في ذلك اليوم، وما يقع من الأجور في الدنيا، أو في البرزخ، فإنما هو بعض الأجور، والزحزحة التنحية، والإبعاد تكرير الزح، وهو الجذب بعجلة، قاله في الكشاف، وقد سبق الكلام عليه، أي فمن بعد عن النار يومئذ، ونحى، فقد فاز، أي ظفر بما يريد، ونجا مما يخاف، وهذا هو الفوز الحقيقي الذي لا فوز يقاربه، فإن كل فوز، وإن كان بجميع المطالب دون الجنة ليس بشيء بالنسبة إليها، اللهم لا فوز إلا فوز الآخرة، ولا عيش إلا عيشها، ولا نعيم إلا نعيمها، فاغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وارض عنا رضاً لا سخط بعده، واجمع لنا بين الرضا منك علينا، والجنة. والمتاع ما يتمتع به الإنسان، وينتفع به، ثم يزول، ولا يبقى كذا قال أكثر المفسرين. الغرور الشيطان يغرّ الناس بالأماني الباطلة، والمواعيد الكاذبة، شبه سبحانه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على من يريده، وله ظاهر محبوب، وباطن مكروه. قوله { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمته تسلية لهم عما سيلقونه من الكفرة، والفسقة ليوطنوا أنفسهم على الثبات، والصبر على المكاره. والابتلاء الامتحان، والاختبار، والمعنى لتمتحننّ، ولتختبرنّ في أموالكم بالمصائب، والإنفاقات الواجبة، وسائر التكاليف الشرعية المتعلقة بالأموال. والابتلاء في الأنفس بالموت، والأمراض، وفقد الأحباب، والقتل في سبيل الله. وهذه الجملة جواب قسم محذوف دلت عليه اللام الموطئة { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } وهم اليهود والنصارى. { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } وهم سائر الطوائف الكفرية من غير أهل الكتاب { أَذًى كَثِيراً } من الطعن في دينكم، وأعراضكم، والإشارة بقوله { فَإِنَّ ذٰلِكَ } إلى الصبر، والتقوى المدلول عليهما بالفعلين. وعزم الأمور معزوماتها، أي مما يجب عليكم أن تعزموا عليه لكونه عزمة من عزمات الله التي أوجب عليهم القيام بها، يقال عزم الأمر، أي شدّه، وأصلحه. قوله { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } هذه الآية توبيخ لأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، أو اليهود فقط على الخلاف في ذلك، والظاهر أن المراد بأهل الكتاب كل من آتاه الله علم شيء من الكتاب، أيُّ كتاب كان، كما يفيده التعريف الجنسي في الكتاب.

السابقالتالي
2 3 4