الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ }

قال أهل التفسير لما أنزل اللهمَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } البقرة 245، الحديد 11 قال قوم من اليهود هذه المقالة تمويهاً على ضعفائهم، لا أنهم يعتقدون ذلك لأنهم أهل الكتاب، بل أرادوا أنه تعالى إن صح ما طلبه منا من القرض على لسان محمد، فهو فقير ليشككوا على إخوانهم في دين الإسلام. وقوله { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } سنكتبه في صحف الملائكة، أو سنحفظه، أو سنجازيهم عليه. والمراد الوعيد لهم، وأن ذلك لا يفوت على الله، بل هو معدّ لهم ليوم الجزاء. وجملة سنكتب على هذا مستأنفة جواباً لسؤال مقدر، كأنه قيل ماذا صنع الله بهؤلاء الذين سمع منهم هذا القول الشنيع؟ فقال قال لهم { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ }. وقرأ الأعمش، وحمزة «سيكتب» بالمثناة التحتية مبني للمفعول. وقرأ برفع اللام من «قتلهم» و " يقول " بالياء المثناة تحت. قوله { وَقَتْلِهِمُ ٱلأنْبِيَاء } عطف على { ما قالوا } ، أي ونكتب قتلهم الأنبياء، أي قتل أسلافهم للأنبياء، وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم رضوا به، جعل ذلك القول قريناً لقتل الأنبياء تنبيهاً على أنه من العظم، والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء. قوله { وَنَقُولُ } معطوف على { سَنَكْتُبُ } أي ننتقم منهم بعد الكتابة بهذا القول الذي نقوله لهم في النار، أو عند الموت، أو عند الحساب. والحريق اسم للنار الملتهبة وإطلاق الذوق على إحساس العذاب فيه مبالغة بليغة. وقرأ ابن مسعود «ويقال ذوقوا» والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى العذاب المذكور قبله، وأشار إلى القريب بالصيغة التي يشار بها إلى البعيد للدلالة على بعد منزلته في الفظاعة، وذكر الأيدي لكونها المباشرة لغالب المعاصي. وقوله { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } معطوف على { مَّا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُم } ووجه أنه سبحانه عذبهم بما أصابوا من الذنب، وجازاهم على فعلهم، فلم يكن ذلك ظلماً، أو بمعنى أنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء، وليس بظالم لمن عذبه بذنبه، وقيل إن وجهه أن نفي الظلم مستلزم للعدل المقتضي لإثابة المحسن، ومعاقبة المسيء، ورد بأن ترك التعذيب مع وجود سببه، ليس بظلم عقلاً، ولا شرعاً، وقيل إن جملة قوله { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } في محل رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي والأمر أن الله ليس بظلام للعبيد، والتعبير بذلك عن نفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم عند أهل السنة فضلاً عن كونه ظلماً بالغاً لبيان تنزهه عن ذلك، ونفي ظلام المشعر بالكثرة، يفيد ثبوت أصل الظلم. وأجيب عن ذلك بأن الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلماً لكان عظيماً، فنفاه على حدّ عظمه لو كان ثابتاً.

السابقالتالي
2 3