الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } * { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } * { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } * { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

لما بين الله - سبحانه - أن ما جرى على المؤمنين يوم أحد كان امتحاناً ليتميز المؤمن من المنافق، والكاذب من الصادق، بين ههنا أن من لم ينهزم، وقتل فله هذه الكرامة، والنعمة، وأن مثل هذا مما يتنافس فيه المتنافسون، لا مما يخاف، ويحذر، كما قالوا من حكى الله عنهملَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ } آل عمران 156 وقالوالَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } آل عمران 168 فهذه الجملة مستأنفة لبيان هذا المعنى، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد، وقرىء بالياء التحتية، أي لا يحسبن حاسب. وقد اختلف أهل العلم في الشهداء المذكورين في هذه الآية من هم؟ فقيل في شهداء أحد، وقيل في شهداء بدر، وقيل في شهداء بئر معونة. وعلى فرض أنها نزلت في سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب. ومعنى الآية عند الجمهور أنهم أحياء حياة محققة ثم اختلفوا، فمنهم من يقول أنها تردّ إليهم أرواحهم في قبورهم، فيتنعمون. وقال مجاهد يرزقون من ثمر الجنة، أي يجدون ريحها، وليسوا فيها، وذهب من عدا الجمهور إلى أنها حياة مجازية، والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة، والصحيح الأوّل، ولا موجب للمصير إلى المجاز. وقد وردت السنة المطهرة بأن أرواحهم في أجواف طيور خضر، وأنهم في الجنة يرزقون، ويأكلون، ويتمتعون. وقوله { ٱلَّذِينَ قَتَلُواْ } هو المفعول الأوّل. والحاسب هو النبي صلى الله عليه وسلم، أو كل أحد، كما سبق، وقيل يجوز أن يكون الموصول هو فاعل الفعل، والمفعول الأوّل محذوف، أي لا تحسبنّ الذين قتلوا أنفسهم أمواتاً، وهذا تكلف لا حاجة إليه، ومعنى النظم القرآني في غاية الوضوح، والجلاء. وقوله { بَلْ أَحْيَاء } خبر مبتدأ محذوف، أي بل هم أحياء. وقرىء بالنصب على تقدير الفعل، أي بل أحسبهم أحياء. وقوله { عِندَ رَبّهِمْ } إما خبر ثان، أو صفة لأحياء، أو في محل نصب على الحال، وقيل في الكلام حذف، والتقدير عند كرامة ربهم. قال سيبويه هذه عندية الكرامة لا عندية القرب. وقوله { يُرْزَقُونَ } يحتمل في إعرابه الوجوه التي ذكرناها في قوله { عِندَ رَبّهِمْ } والمراد بالرزق هنا هو الرزق المعروف في العادات على ما ذهب إليه الجمهور، كما سلف، وعند من عدا الجمهور المراد به الثناء الجميل، ولا وجه يقتضي تحريف الكلمات العربية في كتاب الله تعالى، وحملها على مجازات بعيدة، لا لسبب يقتضي ذلك. وقوله { فَرِحِينَ } حال من الضمير في { يرزقون } ، و { بما آتاهم الله من فضله } متعلق به. وقرأ ابن السميفع «فارحين» وهما لغتان كالفره والفاره، والحذر والحاذر. والمراد { بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ } ما ساقه الله إليهم من الكرامة بالشهادة، وما صاروا فيه من الحياة، وما يصل إليهم من رزق الله سبحانه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6