الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } * { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

لما أمر الله سبحانه بالاقتداء بمن تقدّم من أنصار الأنبياء حذر عن طاعة الكفار، وهم مشركو العرب وقيل اليهود والنصارى. وقيل المنافقون في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى دين آبائكم. وقوله { يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ } أي يخرجوكم من دين الإسلام إلى الكفر { فَتَنقَلِبُواْ خَـٰسِرِينَ } أي ترجعوا مغبونين. وقوله { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلَـٰكُمْ } إضراب عن مفهوم الجملة الأولى أي إن تطيعوا الكافرين يخذلوكم ولا ينصروكم بل الله ناصركم لا غيره وقريء «بل الله» بالنصب على تقدير بل أطيعوا الله. قوله { سَنُلْقِى } قرأ السَّخْتِيَانّي بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالنون. وقرأ ابن عامر، والكسائي " ٱلرُّعْبَ " بضم العين. وقرأ الباقون بالسكون، وهما لغتان، يقال رَعَبْتُه رُعباً، ورُعُباً، فهو مرعُوب، ويجوز أن يكون مصدراً، والرعب بالضم الاسم، وأصله المَلء، يقال سْيل راعب، أي يملأ الوادي، ورعبت الحوض ملأته، فالمعنى سنملأ قلوب الكافرين رعباً، أي خوفاً، وفزعاً، والإلقاء يستعمل حقيقة في الأجسام، ومجازاً في غيرها، كهذه الآية، وذلك أن المشركين بعد وقعة أحد ندموا أن لا يكونوا استأصلوا المسلمين، وقالوا بئسما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ارجعوا، فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا، عما هموا به { بِمَا أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ } متعلق بقوله { سَنُلْقِى } و " ما " مصدرية، أي بسبب إشراكهم { مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً } أي ما لم ينزل الله بجعله شريكاً له حجة، وبياناً، وبرهاناً، والنفي يتوجه إلى القيد، والمقيد، أي لا حجة، ولا إنزال، والمعنى أن الإشراك بالله لم يثبت في شيء من الملل. والمثوى المكان الذي يقام فيه، يقال ثوى يثوي ثواءً. قوله { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } نزلت لما قال بعض المسلمين من أين أصابنا هذا، وقد وعدنا الله النصر، وذلك أنه كان الظفر لهم في الابتداء، حتى قتلوا صاحب لواء المشركين، وتسعة نفر بعده فلما اشتغلوا بالغنيمة، وترك الرماة مركزهم طلباً للغنيمة كان ذلك سبب الهزيمة. والحسّ الاستئصال بالقتل، قاله أبو عبيد. يقال جراد محسوس إذا قتله البرد، وسنة حسوس أي جدبة تأكل كل شيء. قيل وأصله من الحسّ الذي هو الإدراك بالحاسة، فمعنى حسه أذهب حسه بالقتل، وتحسونهم تقتلونهم، وتستأصلونهم، قال الشاعر
حسسناهم بالسيف حسَّاً فأصْبَحت بِقيَّتهُم قد شُرِّدوا وتَبَدَّدوا   
وقال جرير
تَحُسَّهُم السّيوفُ كما تسامىَ حَرِيقُ النَّارِ في الأجِمِ الحَصِيدِ   
{ بِإِذْنِهِ } أي بعلمه، أو بقضائه { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } أي جبنتم وضعفتم، قيل جواب حتى محذوف تقديره امتحنتم، وقال الفراء جواب حتى قوله { وَتَنَـٰزَعْتُمْ } والواو مقحمة زائدة، كقولهفَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }

السابقالتالي
2 3