الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }

قوله { يا أيها الذين آمنوا } قيل هو كلام مبتدأ للترهيب، والترغيب فيما ذكر وقيل هو اعتراض بين أثناء قصة أحد. وقوله { أَضْعَـٰفاً مُّضَـٰعَفَةً } ليس لتقييد النهي لما هو معلوم من تحريم الربا على كل حال، ولكنه جيء به باعتبار ما كانوا عليه من العادة التي يعتادونها في الربا، فإنهم كانوا يربون إلى أجل، فإذا حل الأجل زادوا في المال مقداراً يتراضون عليه، ثم يزيدون في أجل الدّين، فكانوا يفعلون ذلك مرّة بعد مرّة حتى يأخذ المربي أضعاف دينه الذي كان له في الابتداء وأضعافاً حال، ومضاعفة نعت له، وفيه إشارة إلى تكرار التضعيف عاماً بعد عام، والمبالغة في هذه العبارة تفيد تأكيد التوبيخ. قوله { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ } فيه الإرشاد إلى تجنب ما يفعله الكفار في معاملاتهم. قال كثير من المفسرين وفيه أنه يكفر من استحلّ الربا، وقيل معناه اتقوا الربا الذي ينزع منكم الإيمان، فتستوجبون النار، وإنما خصّ الربا في هذه الآية لأنه الذي توعد الله عليه بالحرب منه لفاعله. وقوله { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } حذف المتعلق مشعر بالتعميم، أي في كل أمر، ونهي { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي راجين الرحمة من الله عز وجلّ. وقوله { وَسَارِعُواْ } عطف على أطيعوا، وقرأ نافع، وابن عامر " سارعوا " بغير واو، وكذلك في مصاحف أهل المدينة، وأهل الشام، وقرأ الباقون بالواو. قال أبو علي كلا الأمرين سائغ مستقيم. والمسارعة المبادرة، وفي الآية حذف، أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة من الطاعات. وقوله { عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَاتُ وَٱلاْرْضُ } أي عرضها، كعرض السموات، والأرض، ومثله الآية الأخرىعَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ } الحديد 21 وقد اختلف في معنى ذلك، فذهب الجمهور إلى أنها تقرن السموات، والأرض بعضها إلى بعض، كما تبسط الثياب، ويوصل بعضها إلى بعض، فذلك عرض الجنة، ونبه بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض، وقيل إن هذا الكلام جاء على نهج كلام العرب من الاستعارة دون الحقيقة، وذلك أنها ما كانت الجنة من الاتساع، والانفساح في غاية قصوى، حسن التعبير عنها بعرض السموات، والأرض مبالغة لأنهما أوسع مخلوقات الله سبحانه فيما يعلمه عباده، ولم يقصد بذلك التحديد. والسراء اليسر، والضراء العسر. وقد تقدّم تفسيرهما، وقيل السراء الرخاء، والضراء الشدّة، وهو مثل الأول، وقيل السراء في الحياة، والضراء بعد الموت. قوله { وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } يقال كظم غيظه أي سكت عليه، ولم يظهره، ومنه كظمت السقاء أي ملأته. والكظامة ما يسد به مجرى الماء، وكظم البعير جرّته إذا ردّها في جوفه، وهو عطف على الموصول الذي قبله. قوله { وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } أي التاركين عقوبة من أذنب إليهم، واستحق المؤاخذة، وذلك من أجل ضروب الخير وظاهره العفو عن الناس سواء كانوا من المماليك أم لا.

السابقالتالي
2 3 4