الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } * { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

العامل في «إذ» فعل محذوف، أي واذكر إذ غدوت من منزل أهلك، أي من المنزل الذي فيه أهلك. وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه الآية نزلت في غزوة أحد. وقال الحسن في يوم بدر. وقال مجاهد، ومقاتل، والكلبي في غزوة الخندق. قوله { تُبَوّىء } أي تتخذ لهم مقاعد للقتال، وأصل التبوّء اتخاذ المنزل، يقال بوّأته منزلاً إذا أسكنته إياه، والفعل في محل نصب على الحال. ومعنى الآية واذكر إذ خرجت من منزل أهلك تتخذ للمؤمنين مقاعد للقتال، أي أماكن يقعدون فيها، وعبر عن الخروج بالغدوّ الذي هو الخروج غدوة مع كونه صلى الله عليه وسلم خرج بعد صلاة الجمعة، كما سيأتي لأنه قد يعبر بالغدوّ، والرواح، عن الخروج، والدخول من غير اعتبار أصل معناهما، كما يقال، أضحى، وإن لم يكن في وقت الضحى. قوله { إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } هو بدل من { إذ غدوت } ، أو متعلق بقوله { تبوّىء } ، أو بقوله { سميع عليم } ، والطائفتان بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وكانا جناحي العسكر يوم أحد، والفشل الجبن، وَالْهَمُّ من الطائفتين كان بعد الخروج، لما رجع عبد الله بن أبيّ بمن معه من المنافقين، فحفظ الله قلوب المؤمنين، فلم يرجعوا، وذلك قوله { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا }. قوله { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } جملة مستأنفة سيقت لتصبيرهم بتذكير ما يترتب على الصبر من النصر. وبدر اسم لماء كان في موضع الوقعة، وقيل هو اسم الموضع نفسه، وسيأتي سياق قصة بدر في الأنفال إن شاء الله. وأذلة جمع قلة، ومعناه أنهم كانوا بسبب قلتهم أذلة، وهو جمع ذليل استعير للقلة، إذ لم يكونوا في أنفسهم أذلة، بل كانوا أعزة. والنصر العون. وقد شرح أهل التواريخ، والسير غزوة بدر وأحد بأتم شرح، فلا حاجة لنا في سياق ذلك هاهنا. قوله { إِذْ تَقُولُ } متعلق بقوله { نَصَرَكُمُ } والهمزة في قوله { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ } للإنكار منه عليهم عدم اكتفائهم بذلك المدد من الملائكة، ومعنى الكفاية سدّ الخلة، والقيام بالأمر، والإمداد في الأصل إعطاء الشيء حالاً بعد حال، والمجيء بـ " لن " لتأكيد النفي، وأصل الفور القصد إلى الشيء، والأخذ فيه بجدّ، وهو من قولهم فارت القدر تفور فوراً، وفوراناً. إذا غلت، والفور الغليان، وفار غضبه إذا جاش، وفعله من فوره أي قبل أن يسكن، والفوّارة ما يفور من القدر، استعير للسرعة، أي إن يأتوكم من ساعتهم هذه يمددكم ربكم بالملائكة في حال إتيانهم لا يتأخر عن ذلك. قوله { مُسَوّمِينَ } بفتح الواو اسم مفعول، وهي قراءة ابن عامر، وحمزة، والكسائي، ونافع أي معلمين بعلامات. وقرأ أبو عمرو، وابن كثير، وعاصم { مسومين } بكسر الواو اسم فاعل، أي معلمين أنفسهم بعلامة.

السابقالتالي
2 3 4 5