الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

قوله { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } هذا كلام مستأنف يتضمن بيان حال هذه الأمة في الفضل على غيرها من الأمم، و " كان " قيل هي التامة، أي وجدتم، وخلقتم خير أمة، ومثله ما أنشده سيبويه
وَجِيرانٍ لَنا كَانُوا كرام   
ومنه قوله تعالىكَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِى ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } مريم 29 وقولهوَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } الأعراف 86. وقال الأخفش يريد أهل أمة أي خير أهل دين، وأنشد
فحلفتُ فلم أتْركْ لِنَفْسِك رِيبةً وَهَلْ يْأثَمَنْ ذُو أمَّةٍ وَهُوطَائِعَ   
وقيل معناه كنتم في اللوح المحفوظ، وقيل كنتم منذ آمنتم. وفيه دليل على أن هذه الأمة الإسلامية خير الأمم على الإطلاق، وأن هذه الخيرية مشتركة ما بين أول هذه الأمة، وآخرها بالنسبة إلى غيرها من الأمم، وإن كانت متفاضلة في ذات بينها. كما ورد في فضل الصحابة على غيرهم. قوله { أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } أي أظهرت لهم. وقوله { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } الخ كلام مستأنف يتضمن بيان كونهم خير أمة مع ما يشتمل عليه من أنهم خير أمة ما أقاموا على ذلك، واتصفوا به، فإذا تركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر زال عنهم ذلك، ولهذا قال مجاهد إنهم خير أمة على الشرائط المذكورة في الآية، وهذا يقتضي أن يكون تأمرون، وما بعده في محل نصب على الحال أي كنتم خير أمة حال كونكم آمرين ناهين مؤمنين بالله، وبما يجب عليكم الإيمان به من كتابه، ورسوله، وما شرعه لعباده، فإنه لا يتم الإيمان بالله سبحانه إلا بالإيمان بهذه الأمور. قوله { وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } أي اليهود إيماناً كإيمان المسلمين بالله، ورسله وكتبه { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل قالوا نؤمن ببعض الكتاب، ونكفر ببعض، ثم بين حال أهل الكتاب بقوله { مّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } وهم الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فإنهم آمنوا بما أنزل عليه، وما أنزل من قبله { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } أي الخارجون عن طريق الحق المتمردون في باطلهم المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولما جاء به، فيكون هذا التفصيل على هذا كلاماً مستأنفاً جواباً، عن سؤال مقدر، كأنه قيل هل منهم من آمن فاستحق ما وعده الله. قوله { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } أي لن يضروكم بنوع من أنواع الضرر إلا بنوع الأذى، وهو الكذب، والتحريف، والبهت، ولا يقدرون على الضرر الذي هو الضرر في الحقيقة بالحرب، والنهب، ونحوهما، فالاستثناء مفرغ، وهذا وعد من الله لرسوله، وللمؤمنين أن أهل الكتاب لا يغلبونهم، وأنهم منصورون عليهم، وقيل الاستثناء منقطع. والمعنى لن يضروكم ألبتة لكي يؤذونكم، ثم بين سبحانه ما نفاه من الضرر بقوله { وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأدُبَارَ } أي ينهزمون ولا يقدرون على مقاومتكم فضلاً عن أن يضروكم.

السابقالتالي
2 3