الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

المراد بـ { الذين كفروا } جنس الكفرة. وقيل وفد نجران، وقيل قريظة، وقيل النضير، وقيل مشركو العرب. وقرأ السلمي " لن يُغني " بالتحتية، وقرأ الحسن بكون الياء الآخرة تخفيفاً. قوله { مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي من عذابه شيئاً من الإغناء، وقيل إن كلمة من بمعنى عند، أي لا تغني عند الله شيئاً قاله أبو عبيد، وقيل هي بمعنى بدل. والمعنى بدل رحمة الله، وهو بعيد. قوله { وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } الوقود اسم للحطب، وقد تقدم الكلام عليه في سورة البقرة، أي هم حطب جهنم الذي تسعر به، وهم مبتدأ، ووقود خبره، والجملة خبر أولئك، أو هم ضمير فصل، وعلى التقديرين، فالجملة مستأنفة مقرّرة لقوله { لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوٰلُهُمْ } الآية. وقرأ الحسن، ومجاهد، وطلحة بن مصرف " وَقُودُ " بضم الواو، وهو مصدر، وكذلك الوقود بفتح الواو في قراءة الجمهور يحتمل أن يكون اسماً للحطب، كما تقدم، فلا يحتاج إلى تقدير، ويحتمل أن يكون مصدراً لأنه من المصادر التي تأتي على وزن الفعول، فتحتاج إلى تقدير، أي هم أهل، وقود النار. قوله { كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } الدأب الاجتهاد، يقال دأب الرجل في عمله يدأب دأباً ودءوباً إذا جدّ، واجتهد، والدائبان الليل، والنهار، والدأب العادة، والشأن، ومنه قول امرىء القيس
كدأبك من أمِّ الحُوَيِرِثِ قَبْلَها وَجَارَتها أمِّ الرَّبابِ بِمَأسَلِ   
والمراد هنا كعادة آل فرعون، وشأنهم، وحالهم، واختلفوا في الكاف، فقيل هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون مع موسى. وقال الفراء إن المعنى كفرت العرب، ككفر آل فرعون. قال النحاس لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لأن كفروا داخلة في الصلة، وقيل هي متعلقة بأخذهم الله، أي أخذهم أخذه، كما أخذ آل فرعون، وقيل هي متعلقة بـ { لن تغني } ، أي لم تغن عنهم غناء، كما لم تغن عن آل فرعون، وقيل إن العامل فعل مقدر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الإحراق. قالوا ويؤيده قوله تعالىٱأدخلوا آل فرعون أشد العذاب } غافر 46.ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } غافر 46، والقول الأوّل هو الذي قاله جمهور المحققين، ومنهم الأزهري. قوله { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة، أي وكدأب الذين من قبلهم. قوله { كَذَّبُواْ بِأَيَـٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ } يحتمل أن يريد الآيات المتلوّة، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية، ويصح إرادة الجميع. والجملة بيان، وتفسير لدأبهم، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من آل فرعون والذين من قبلهم على إضمار قد أي دأب هؤلاء كدأب أولئك قد كذبوا الخ. وقوله { بِذُنُوبِهِمْ } أي بسائر ذنوبهم التي من جملتها تكذيبهم.

السابقالتالي
2 3