الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } * { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } * { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

قوله { مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَاء } يوالونهم، ويتكلون عليهم في حاجاتهم من دون الله سواء كانوا من الجماد أو الحيوان، ومن الأحياء أو من الأموات { كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } فإن بيتها لا يغني عنها شيئاً لا في حرّ ولا قرّ ولا مطر، كذلك ما اتخذوه ولياً من دون الله، فإنه لا ينفعهم بوجه من وجوه النفع، ولا يغني عنهم شيئاً. قال الفراء هو مثل ضربه الله لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضرّه، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرّاً، ولا برداً. قال ولا يحسن الوقف على العنكبوت لأنه لما قصد بالتشبيه لبيتها الذي لا يقيها من شيء شبهت الآلهة التي لا تنفع ولا تضرّ به، وقد جوّز الوقف على العنكبوت الأخفش، وغلطه ابن الأنباري قال لأن اتخذت صلة للعنكبوت كأنه قال كمثل العنكبوت التي { اتخذت } بيتاً، فلا يحسن الوقف على الصلة دون الموصول. والعنكبوت تقع على الواحد، والجمع والمذكر والمؤنث، وتجمع على عناكب وعنكبوتات، وهي الدّويبة الصغيرة التي تنسج نسجاً رقيقاً. وقد يقال لها عكنبات، ومنه قول الشاعر
كأنما يسقط من لغامها بيت عكنبات على زمامها   
{ وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ } لا بيت أضعف منه مما يتخذه الهوامّ بيتاً، ولا يدانيه في الوهي والوهن شيء من ذلك { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أن اتخاذهم الأولياء من دون الله كاتخاذ العنكبوت بيتاً، أو لو كانوا يعلمون شيئاً من العلم لعلموا بهذا { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْء } ما استفهامية، أو نافية، أو موصولة، ومن للتبعيض أو مزيدة للتوكيد. وقيل إن هذه الجملة على إضمار القول، أي قل للكافرين إن الله يعلم أيّ شيء يدعون من دونه. وحرّم أبو علي الفارسي بأنها استفهامية، وعلى تقدير النفي كأنه قيل إن الله يعلم أنكم لا تدعون من دونه من شيء، يعني ما تدعونه ليس بشيء، وعلى تقدير الموصولة إن الله يعلم الذين تدعونهم من دونه، ويجوز أن تكون " ما " مصدرية، و { من شيء } عبارة عن المصدر. قرأ عاصم وأبو عمرو ويعقوب " يدعون " بالتحتية. واختار هذه القراءة أبو عبيد لذكر الأمم قبل هذه الآية. وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } الغالب المصدر أفعاله على غاية الإحكام والإتقان. { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } أي هذا المثل، وغيره من الأمثال التي في القرآن نضربها للناس تنبيهاً لهم، وتقريباً لما بعد من أفهامهم { وَمَا يَعْقِلُهَا } أي يفهمها ويتعقل الأمر الذي ضربناها لأجله { إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ } بالله الراسخون في العلم المتدبرون المتفكرون لما يتلى عليهم وما يشاهدونه.

السابقالتالي
2 3 4 5