الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } * { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } * { وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } * { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } * { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قوله { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } أي من أهل قرية كانوا في خفض عيش ودعة ورخاء، فوقع منهم البطر، فأهلكوا. قال الزجاج البطر الطغيان عند النعمة. قال عطاء عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام. قال الزجاج، والمازني معنى { بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } بطرت في معيشتها، فلما حذفت «في» تعدّى الفعل كقولهوَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } الأعراف 155. وقال الفراء هو منصوب على التفسير كما تقول أبطرك مالك وبطرته، ونظيره عنده قوله تعالىإِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } البقرة 130 ونصب المعارف على التمييز غير جائز عند البصريين لأن معنى التفسير أن تكون النكرة دالة على الجنس. وقيل إن معيشتها منصوبة ببطرت على تضمينه معنى جهلت { فَتِلْكَ مَسَـٰكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لم يسكنها أحد بعدهم إلاّ زمناً قليلاً، كالذي يمرّ بها مسافراً فإنه يلبث فيها يوماً أو بعض يوم، أو لم يبق من يسكنها فيها إلاّ أياماً قليلة لشؤم ما وقع فيها من معاصيهم. وقيل إن الاستثناء يرجع إلى المساكن، أي لم تسكن بعد هلاك أهلها إلاّ قليلاً من المساكن، وأكثرها خراب، كذا قال الفراء، وهو قول ضعيف { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوٰرِثِينَ } منهم لأنهم لم يتركوا وارثاً يرث منازلهم وأموالهم، ومحلّ جملة { لَمْ تُسْكَن } الرفع على أنها خبر ثان لاسم الإشارة، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال. { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِنَا } أي وما صحّ، ولا استقام أن يكون الله مهلك القرى الكافرة، أي الكافر أهلها حتى يبعث في أمها رسولاً ينذرهم، ويتلوا عليهم آيات الله الناطقة بما أوجبه الله عليهم، وما أعدّه من الثواب للمطيع والعقاب للعاصي، ومعنى { أُمّهَا } أكبرها وأعظمها، وخص الأعظم منها بالبعثة إليها لأن فيها أشراف القوم، وأهل الفهم والرأي، وفيها الملوك والأكابر، فصارت بهذا الاعتبار كالأم لما حولها من القرى. وقال الحسن أمّ القرى أوّلها. وقيل المراد بأمّ القرى هنا مكة، كما في قولهإِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } آل عمران 96 الآية، وقد تقدّم بيان ما تضمنته هذه الآية في آخر سورة يوسف، وجملة { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِنَا } في محل نصب على الحال، أي تالياً عليهم ومخبراً لهم أن العذاب سينزل بهم إن لم يؤمنوا { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَـٰلِمُونَ } هذه الجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، والاستثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال، أي وما كنا مهلكين لأهل القرى بعد أن نبعث إلى أمها رسولاً يدعوهم إلى الحق إلاّ حال كونهم ظالمين قد استحقوا الإهلاك لإصرارهم على الكفر بعد الإعذار إليهم، وتأكيد الحجة عليهم كما في قوله سبحانه

السابقالتالي
2 3 4