الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

لما سمع موسى قول الله سبحانه { فَذَانِكَ بُرْهَانَـٰنِ مِن رَّبِّك إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } طلب منه سبحانه أن يقوّي قلبه، فقال { رَبّ إِنّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً } يعني القبطي الذي وكزه فقضى عليه { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } بها. { وَأَخِى هَـارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّي لِسَاناً } لأنه كان في لسان موسى حبسة كما تقدّم بيانه، والفصاحة لغةً الخلوص، يقال فصح اللبن، وأفصح فهو فصيح، أي خلص من الرغوة، ومنه فصح الرجل جادت لغته، وأفصح تكلم بالعربية. وقيل الفصيح الذي ينطق، والأعجم الذي لا ينطق. وأما في اصطلاح أهل البيان فالفصاحة خلوص الكلمة عن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس. وفصاحة الكلام خلوصه من ضعف التأليف، والتعقيد. وانتصاب { رِدْءاً } على الحال، والردء المعين، من أردأته، أي أعنته، يقال فلان ردء فلان إذا كان ينصره، ويشدّ ظهره، ومنه قول الشاعر
ألم تر أن أصرم كان ردئي وخير الناس في قلّ ومال   
وحذفت الهمزة تخفيفاً في قراءة نافع، وأبي جعفر، ويجوز أن يكون ترك الهمز من قولهم أردى على المائة إذا زاد عليها، فكان المعنى أرسله معي زيادة في تصديقي، ومنه قول الشاعر
وأسمر خطياً كأن كعوبه نوى القسب قد أردى ذراعاً على العشر   
وروي البيت في الصحاح بلفظ قد أربى، والقسب الصلب، وهو الثمر اليابس الذي يتفتت في الفم، وهو صلب النواة. { يُصَدّقُنِي } قرأ عاصم وحمزة { يصدقني } بالرفع على الاستئناف، أو الصفة لـ { ردءاً } ، أو الحال من مفعول أرسله، وقرأ الباقون بالجزم على جواب الأمر، وقرأ أبي وزيد بن عليّ " يصدقون " أي فرعون وملؤه { إِنّي أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ } إذا لم يكن معي هارون لعدم انطلاق لساني بالمحاجة. { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } أي نقويك به، فشدّ العضد كناية عن التقوية، ويقال في دعاء الخير شدّ الله عضدك، وفي ضدّه فتّ الله في عضدك. قرأ الجمهور { عضُدك } بفتح العين. وقرأ الحسين وزيد ابنا عليّ بضمها. وروي عن الحسن أيضاً أنه قرأ بضمة وسكون. وقرأ عيسى بن عمر بفتحهما. { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَـٰناً } أي حجة وبرهاناً، أو تسلطاً عليه، وعلى قومه { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } بالأذى ولا يقدرون على غلبتكما بالحجة، و { بِـئَايَـٰتِنَا } متعلق بمحذوف، أي تمتنعان منهم بآياتنا، أو اذهبا بآياتنا. وقيل الباء للقسم، وجوابه { يصلون } وما أضعف هذا القول. وقال الأخفش وابن جرير في الكلام تقديم، وتأخير، والتقدير { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَـٰلِبُونَ } بآياتنا، وأوّل هذه الوجوه أولاها، وفي { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَـٰلِبُونَ } تبشير لهما، وتقوية لقلوبهما. { فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا بَيّنَـٰتٍ } البينات الواضحات الدلالة، وقد تقدّم وجه إطلاق الآيات، وهي جمع على العصا، واليد في سورة طه { قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } أي مختلق مكذوب اختلقته من قبل نفسك { وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } الذي جئت به من دعوى النبوّة، أو ما سمعنا بهذا السحر { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } أي كائناً، أو واقعاً في آبائنا الأوّلين.

السابقالتالي
2 3