الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } * { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } * { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

قوله { فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَاء } في الكلام حذف يدل عليه السياق. قال الزجاج تقديره فذهبتا إلى أبيهما سريعتين، وكانت عادتهما الإبطاء في السقي، فحدّثتاه بما كان من الرجل الذي سقى لهما، فأمر الكبرى من بنتيه، وقيل الصغرى أن تدعوه له، فجاءته. وذهب أكثر المفسرين إلى أنهما ابنتا شعيب، وقيل هما ابنتا أخي شعيب، وأن شعيباً كان قد مات. والأوّل أرجح، وهو ظاهر القرآن. ومحلّ { تَمْشِي } النصب على الحال من فاعل جاءت، { وَعَلَىٰ ٱسْتِحْيَاء } حال أخرى، أي كائنة على استحياء حالتي المشي والمجيء فقط، وجملة { قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ } مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل ماذا قالت له لما جاءته؟ { لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } أي جزاء سقيك لنا { فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } القصص مصدر سمي به المفعول أي المقصوص يعني أخبره بجميع ما اتفق له من عند قتله القبطيّ إلى عند وصوله إلى ماء مدين { قَالَ } شعيب { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي فرعون وأصحابه لأن فرعون لا سلطان له على مدين، وللرازي في هذا الموضع إشكالات باردة جدًّا لا تستحق أن تذكر في تفسير كلام الله عزّ وجلّ، والجواب عليها يظهر للمقصر فضلاً عن الكامل، وأشفّ ما جاء به أن موسى كيف أجاب الدعوة المعللة بالجزاء لما فعله من السقي. ويجاب عنه بأنه اتبع سنة الله في إجابة دعوة نبيّ من أنبياء الله، ولم تكن تلك الإجابة لأجل أخذ الأجر على هذا العمل، ولهذا ورد أنه لما قدّم إليه الطعام قال إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهباً. { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَـئجِرْهُ } القائلة هي التي جاءته، أي استأجره ليرعى لنا الغنم، وفيه دليل على أن الإجارة كانت عندهم مشروعة. وقد اتفق على جوازها، ومشروعيتها جميع علماء الإسلام إلا الأصم فإنه عن سماع أدلتها أصمّ، وجملة { إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئـجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلأَمِينُ } تعليل لما وقع منها من الإرشاد لأبيها إلى استئجار موسى، أي إنه حقيق باستئجارك له لكونه جامعاً بين خصلتي القوّة والأمانة. وقد تقدّم في المرويّ عن ابن عباس، وعمر أن أباها سألها عن وصفها له بالقوّة والأمانة فأجابته بما تقدّم قريباً { قَالَ إِنّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } فيه مشروعية عرض وليّ المرأة لها على الرجل، وهذه سنة ثابتة في الإسلام، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، والقصة معروفة، وغير ذلك مما وقع في أيام الصحابة أيام النبوّة، وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6