الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ } * { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } * { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } * { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ }

لما ذكر سبحانه أن المشركين في شكّ من البعث، وأنهم عمون عن النظر في دلائله أراد أن يبين غاية شبههم، وهي مجرّد استبعاد إحياء الأموات بعد صيرورتهم تراباً، فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَءِذَا كُنَّا تُرَاباً وَءَابَاؤُنَا أَءِنَّا لَمُخْرَجُونَ }. والعامل في " إذا " محذوف دلّ عليه { مخرجون } تقديره أنبعث، أو نخرج إذا كنا، وإنما لم يعمل فيه مخرجون لتوسط همزة الاستفهام، وإنّ ولام الابتداء بينهما. قرأ أبو عمرو باستفهامين إلاّ أنه خفف الهمزة. وقرأ عاصم، وحمزة باستفهامين، إلاّ أنهما حققا الهمزتين. وقرأ نافع بهمزة. وقرأ ابن عامر وورش ويعقوب { أإذا } بهمزتين و { إننا } بنونين على الخبر، ورجح أبو عبيد قراءة نافع، وردّ على من جمع بين استفهامين ومعنى الآية أنهم استنكروا واستبعدوا أن يخرجوا من قبورهم أحياء بعد أن قد صاروا تراباً، ثم أكدوا ذلك الاستبعاد بما هو تكذيب للبعث، فقالوا { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا } يعنون البعث { نَحْنُ وَءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ } أي من قبل وعد محمد لنا، والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير الإنكار مصدّرة بالقسم لزيادة التقرير { إِنَّ هَذَا } الوعد بالبعث { إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أحاديثهم وأكاذيبهم الملفقة، وقد تقدّم تحقيق معنى الأساطير في سورة المؤمنون. ثم أوعدهم سبحانه على عدم قبول ما جاءت به الأنبياء من الإخبار بالبعث. فأمرهم بالنظر في أحوال الأمم السابقة المكذبة للأنبياء وما عوقبوا به، وكيف كانت عاقبتهم، فقال { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلاْرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ } بما جاءت به الأنبياء من الإخبار بالبعث، ومعنى النظر هو مشاهدة آثارهم بالبصر فإن في المشاهدة زيادة اعتبار. وقيل المعنى فانظروا بقلوبكم، وبصائركم كيف كان عاقبة المكذبين لرسلهم، والأوّل أولى لأمرهم بالسير في الأرض { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } لما وقع منهم من الإصرار على الكفر { وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ } الضيق الحرج، يقال ضاق الشيء ضيقاً بالفتح، وضيقاً بالكسر قرىء بهما، وهما لغتان. قال ابن السكيت يقال في صدر فلان ضيق وضيق، وهو ما تضيق عنه الصدور. وقد تقدّم تفسير هذه الآية في آخر سورة النحل { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } أي بالعذاب الذي تعدنا به { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في ذلك. { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } يقال ردفت الرجل، وأردفته إذا ركبت خلفه، وردفه إذا أتبعه، وجاء في أثره، والمعنى قل يا محمد لهؤلاء الكفار عسى أن يكون هذا العذاب الذي به توعدون تبعكم، ولحقكم، فتكون اللام زائدة للتأكيد، أو بمعنى اقترب لكم، ودنا لكم، فتكون غير زائدة. قال ابن شجرة معنى ردف لكم تبعكم، قال ومنه ردف المرأة لأنه تبع لها من خلفها، ومنه قول أبي ذؤيب

السابقالتالي
2 3 4 5 6