الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } * { قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } * { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } * { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }

قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلنَا } معطوف على قوله { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودُ } واللام هي الموطئة للقسم، وهذه القصة من جملة بيان قوله { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } و { صَـٰلِحاً } عطف بيان، و { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } تفسير للرسالة، وأن هي المفسرة، ويجوز أن تكون مصدرية أي بأن اعبدوا الله، و " إذا " في { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ } هي الفجائية أي ففاجئوا التفرق، والاختصام، والمراد بـ { الفريقان } المؤمنون منهم والكافرون. ومعنى الاختصام أن كلّ فريق يخاصم على ما هو فيه، ويزعم أن الحقّ معه، وقيل إن الخصومة بينهم في صالح هل هو مرسل أم لا؟ وقيل أحد الفريقين صالح، والفريق الآخر جميع قومه، وهو ضعيف. { قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } أي قال صالح للفريق الكافر منهم منكراً عليهم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة؟ قال مجاهد بالعذاب قبل الرحمة. والمعنى لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب وتقدّمون الكفر الذي يجلب إليكم العقوبة؟ وقد كانوا لفرط كفرهم يقولون ائتنا يا صالح بالعذاب { لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ } هلا تستغفرون الله وتتوبون إليه من الشرك { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } رجاء أن ترحموا أو كي ترحموا فلا تعذبوا، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشرّ، ووصف العذاب بأنه سيئة مجازاً، إما لأن العقاب من لوازمه، أو لأنه يشبهه في كونه مكروهاً، فكان جوابهم عليه بعد هذا الإرشاد الصحيح، والكلام اللين أنهم { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } أصله تطيرنا، وقد قرىء بذلك، والتطير التشاؤم أي تشاءمنا منك وبمن معك ممن أجابك ودخل في دينك، وذلك لأنه أصابهم قحط فتشاءموا بصالح، وقد كانت العرب أكثر الناس طيرة وأشقاهم بها، وكانوا إذا أرادوا سفراً أو أمراً من الأمور نفروا طائراً من وكره فإن طار يمنة ساروا، وفعلوا ما عزموا عليه، وإن طار يسرة تركوا ذلك فلما قالوا ذلك قَال لهم صالح { طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي ليس ذلك بسبب الطير الذي تتشاءمون به، بل سبب ذلك عند الله، وهو ما يقدّره عليكم، والمعنى أن الشؤم الذي أصابكم هو من عند الله بسبب كفركم، وهذا كقوله تعالىيَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } الأعراف 131. ثم أوضح لهم سبب ما هم فيه بأوضح بيان، فقال { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } أي تمتحنون، وتختبرون وقيل تعذبون بذنوبكم، وقيل يفتنكم غيركم، وقيل يفتنكم الشيطان بما تقعون فيه من الطيرة، أو بما لأجله تطيرون، فأضرب عن ذكر الطائر إلى ما هو السبب الداعي إليه. { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } التي فيها صالح، وهو الحجر { تِسْعَةُ رَهْطٍ } أي تسعة رجال من أبناء الأشراف، والرهط اسم للجماعة، فكأنهم كانوا رؤساء يتبع كلّ واحد منهم جماعة، والجمع أرهط وأراهط، وهؤلاء التسعة هم أصحاب قدار عاقر الناقة، ثم وصف هؤلاء بقوله { يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } أي شأنهم وعملهم الفساد في الأرض الذي لا يخالطه صلاح، وقد اختلف في أسماء هؤلاء التسعة اختلافاً كثيراً لا حاجة إلى التطويل بذكره.

السابقالتالي
2 3