الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } * { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } * { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله { نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } التنكير التغيير، يقول غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته. قيل جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه، وقيل غير بزيادة ونقصان. قال الفراء، وغيره إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له إن في عقلها شيئاً، فأراد أن يمتحنها، وقيل خافت الجنّ أن يتزوّج بها سليمان، فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبداً، فقالوا لسليمان إنها ضعيفة العقل، ورجلها كرجل الحمار، وقوله { نَنظُرْ } بالجزم على أنه جواب الأمر، وبالجزم قرأ الجمهور، وقرأ أبو حيان بالرفع على الاستئناف { أَتَهْتَدِى } إلى معرفته، أو إلى الإيمان بالله { أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } إلى ذلك. { فَلَمَّا جَاءتْ } أي بلقيس إلى سليمان { قِيلَ } لها، والقائل هو سليمان، أو غيره بأمره { أَهَكَذَا عَرْشُكِ } لم يقل هذا عرشك لئلا يكون ذلك تلقيناً لها فلا يتمّ الاختبار لعقلها { قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } قال مجاهد جعلت تعرف، وتنكر، وتعجب من حضوره عند سليمان، فقالت كأنه هو. وقال مقاتل عرفته، ولكنه شبهت عليهم كما شبّهوا عليها، ولو قيل لها أهذا عرشك لقالت نعم. وقال عكرمة كانت حكيمة، قالت إن قلت هو هو خشيت أن أكذب، وإن قلت لا، خشيت أن أكذب، فقالت كأنه هو، وقيل أراد سليمان أن يظهر لها أن الجنّ مسخرون له { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } قيل هو من كلام بلقيس، أي أوتينا العلم بصحة نبوّة سليمان من قبل هذه الآية في العرش { وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } منقادين لأمره. وقيل هو من قول سليمان أي أوتينا العلم بقدرة الله من قبل بلقيس، وقيل أوتينا العلم بإسلامها، ومجيئها طائعة من قبلها أي من قبل مجيئها. وقيل هو من كلام قوم سليمان. والقول الثاني أرجح من سائر الأقوال. { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } هذا من كلام الله سبحانه بيان لما كان يمنعها من إظهار ما ادّعته من الإسلام، ففاعل صدّ هو ما كانت تعبد أي منعها من إظهار الإيمان ما كانت تعبده، وهي الشمس، قال النحاس أي صدّها عبادتها من دون الله، وقيل فاعل صدّ هو الله أي منعها الله ما كانت تعبد من دونه فتكون «ما» في محل نصب، وقيل الفاعل سليمان أي ومنعها سليمان ما كانت تعبد، والأوّل أولى، والجملة مستأنفة للبيان كما ذكرنا، وجملة { إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ } تعليل للجملة الأولى أي سبب تأخرها عن عبادة الله، ومنع ما كانت تعبده عن ذلك أنها كانت من قوم متصفين بالكفر. قرأ الجمهور { إنها } بالكسر. وقرأ أبو حيان بالفتح. وفي هذه القراءة وجهان أحدهما أن الجملة بدل مما كانت تعبد.

السابقالتالي
2