الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } * { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } * { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } * { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } * { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } * { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } * { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } * { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } * { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله { أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } أمر الله سبحانه موسى أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً، وسماهم عباده لأنهم آمنوا بموسى وبما جاء به، وقد تقدّم تفسير مثل هذا في سورة الأعراف، وجملة { إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } تعليل للأمر المتقدّم أي يتبعكم فرعون وقومه ليردّوكم، و { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ } ، وذلك حين بلغه مسيرهم، والمراد بالحاشرين الجامعون للجيش من الأمكنة التي فيها أتباع فرعون، ثم قال فرعون لقومه بعد اجتماعهم لديه { إِنَّ هَـٰؤُلاۤء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } يريد بني إسرائيل. والشرذمة الجمع الحقير القليل، والجمع شراذم. قال الجوهري الشرذمة الطائفة من الناس، والقطعة من الشيء، وثوب شراذم أي قطع، ومنه قول الشاعر
جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منها الخلاق   
قال الفراء يقال عصبة قليلة وقليلون وكثيرة وكثيرون. قال المبرّد الشرذمة القطعة من الناس غير الكثير، وجمعها الشراذم، قال الواحدي قال المفسرون وكان الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ } يقال غاظني كذا وأغاظني. والغيظ الغضب، ومنه التغيظ، والاغتياظ أي غاظونا بخروجهم من غير إذن مني { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَـٰذِرُونَ } قرىء { حذرون } ، و { حاذرون } و " حذرون " بضم الذال، حكى ذلك الأخفش. قال الفراء الحاذر الذي يحذرك الآن، والحذر المخلوق كذلك لا تلقاه إلاّ حذراً. وقال الزجاج الحاذر المستعد، والحذر المتيقظ، وبه قال الكسائي ومحمد بن يزيد، قال النحاس { حذرون } قراءة المدنيين، وأبي عمرو، و { حاذرون } قراءة أهل الكوفة. قال وأبو عبيدة يذهب إلى أن معنى حذرون، وحاذرون واحد، وهو قول سيبويه، وأنشد سيبويه
حذر أموراً لا تضير وحاذر ما ليس ينجيه من الأقدار   
{ فَأَخْرَجْنَـٰهُمْ مّن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } يعني فرعون وقومه أخرجهم الله من أرض مصر وفيها الجنات والعيون والكنوز وهي جمع جنة وعين، وكنز، والمراد بالكنوز الخزائن. وقيل الدفائن، وقيل الأنهار، وفيه نظر لأن العيون المراد بها عند جمهور المفسرين عيون الماء، فيدخل تحتها الأنهار. واختلف في المقام الكريم فقيل المنازل الحسان. وقيل المنابر، وقيل مجالس الرؤساء والأمراء. وقيل مرابط الخيل. والأوّل أظهر، ومن ذلك قول الشاعر
وفيهم مقامات حسان وجوهها وأندية ينتابها القول والفعل   
{ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِي إِسْرٰءيلَ } يحتمل أن يكون { كذلك } في محل نصب أي أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفنا، ويحتمل أن يكون في محل جرّ على الوصفية أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم، ويحتمل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي الأمر كذلك. ومعنى { وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِي إِسْرٰءيلَ } جعلناها ملكاً لهم، وهو معطوف على { فأخرجناهم } { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } قراءة الجمهور بقطع الهمزة، وقرأ الحسن والحارث الديناري بوصلها، وتشديد التاء، أي فلحقوهم حال كونهم مشرقين أي داخلين في وقت الشروق، يقال شرقت الشمس شروقاً إذا طلعت كأصبح وأمسى أي دخل في هذين الوقتين.

السابقالتالي
2 3 4